شئون مصريةمنوعات

الدكتور عوض عباس رجب يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” ويغوص فى بحر ذكرياته .. النوتة الشهرية سابقاً .. والفيزا كارد حالياً !!

في يوم 21 يوليو، 2019 | بتوقيت 12:00 مساءً

كانت الأسرة المصرية تتعامل مع محلات البقاله و الجزارة و بيع الخضار و الفاكهة و مكتبة الأدوات المدرسية وغيرها بنظام يشبه نظام VISA CARD..(نظام النوتة الشهرية )حيث يتم الشراء بالآجل في نوتة خاصة لكل محل و يقوم والدي بسداد قيمة المشتريات في اليوم الأخير من كل شهر…شعب ذو حضارة عريقة سبق الحضارة الأوروبية و الأمريكية في نظامه الاقتصادي للتيسير علي الأسرة المصرية.

في كل صباح كنت أذهب لوالدي في حجرته لأعطية قبلة الصباح و احصل علي مصروفي اليومي الذي كان يبلغ 10 مليمات كاملة (1 قرش مصري كامل)….في يوم من الأيام دخلت علي والدي وكان يغط في نومه لشعوره بالإرهاق فلم يعطني المصروف اليومي …ذهبت لوالدتي الحبيبة أشتكي لها نوم والدي فطلبت مني أن اخذ مصروفي من جيب بنطلون والدي المعلق علي شماعته بحجرة نومه….وضعت يدي الصغيرة في جيب بنطلون أبي فوجدت كنز من القروش والملاليم (ما يساوي حاليا جنية مصري كامل إي حوالي 200 قطعة من فئة المليم و 100قطعة من فئة  التعريفة (5 مليمات) و 30 قطعة من فئة القرش الكامل)…تلاعب الشيطان في عقلي و أوعز إلي بأخذ ضعف المصروف اليومي(قرشان بدلا من قرش)..وقلت لنفسي كيف لوالدي أن يكتشف غياب قرش واحد في وسط هذا الكنز الهائل في جيب بنطلونه……ذهبت إلي المدرسة ومعي ضعف مصروفي فدخلت لمحل الحلوى بجوار المدرسة و اشتريت لأول مرة في حياتي حلوي من مختلف الأنواع بقرش كامل …دخلت للفصل الدراسي و قمت بتوزيع الحلوى علي جميع زملائي بالفصل و أحسست بسعادة غامرة ولكنها لم تدم كثيرا ففي تمام الساعة العاشرة حضر للفصل ناظر المدرسة وأتذكر أسمه جيدا الأستاذ عبد الحليم وكان يرتدي البدل أحيانا و أحيانا أخري يرتدي الجبة والقفطان الأزهري.

نادي سعادة الناظر علي لمقابلة المرحوم والدي في حجرة الناظر ، تتابعت  دقات قلبي الصغير تدق بسرعة لم أشعر بها من قبل لشعوري بأن زيارة والدي للمدرسة لها علاقة بالمصروف الذي استوليت علية بقيمة مضاعفة دون علم والدي.

قابلت والدي ونظر إلي بعيونه ذات اللون العسلي الصافي  الجميلة الرائعة الجمال وقال لي:عوض كم أخذت اليوم من جيب بنطلوني ؟ رددت علية بسرعة وقلت :أخذت قرشان…فقال:لما و مصروفك هو قرش واحد فقط؟….أسعفني الشيطان بإجابة كاذبة وقلت لقد أخذت القرش الزائد حتى أشتري كراسة لمقرر اللغة العربية والجلاد و التكت اللازم لكتابة الاسم علية…أدرك والدي محاولتي للخروج من مأزق أتهامي بالسطو علي قرش مصري كامل…..قال لي :لماذا أخذت القرش وكان بإمكانك شراء ما تريد من مكتبة الأدوات المدرسية بنظام النوتة؟…سألني مرة أخري و أين الكراسة التي اشتريتها فأجبته علي الفور لم أتمكن من الشراء لتأخري عن موعد طابور الصباح المقدس لتحية العلم وسماع السلام الجمهوري…قال لي أذن أين القرش؟ فأعطيته القرش الذي معي و اعتذرت له ….وقال لي لا تأخذ أي شيء دون أستاذان ….وقبلني و أنصرف بعد أن ارتسمت علي وجهه الجميل الكريم علامات الرضا للدرس الذي علمني إياه منذ نعومة أظافري و هكذا تكون التربية والمتابعة…والحوار الطيب بين الأب و ولده الصغير….لقد علمت بعدها أن والدي أكتشف موضوع المصروف بالصدفة حيث انه كان وضع جنية كامل من مختلف القطع الصغيرة  في جيب بنطلونه و حينما استيقظ في الصباح أخبرته  والدتي الحبيبة بأنها قد طلبت مني أن اخذ مصروفي اليومي بنفسي و عندئذ توجس قلبه خيفة من تعرضي لإغراء كنز الملاليم وحدث ما توقعه عندما قام بعد قطع النقود بجيب بنطلونه وكان ذلك بحمد الله في صالحي درسا عمليا للأمانة و مراقبة الوالدين للأبناء في جميع تصرفاتهم خاصة المالية منها.

 

كاتب المقال 

الدكتور عوض عباس رجب ، مقرر لجنه معاهد السياحة و الآثار بقطاع التعليم   بوزارة التعليم العالي

 ‏أستاذ الكيمياء الحيوية كلية الزراعة جامعة القاهرة‏ 

مدير ‏مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح‏ سابقاً