تقاس القوة الشاملة للدول، طبقاً لمفاهيم العلوم الاستراتيجية، بقوتها العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والجيوسياسية، مضافاً إليهم قوتها الناعمة. وقد حظيت مصر بثقل وزن قوتها الناعمة، المتمثلة في فنانيها، في مختلف المجالات، مثل الغناء والسينما والمسرح والرسم والنحت، وغيرهم من مجالات الفنون، ليس على المستوى القومي، فقط، وإنما على المستوى العربي.
فاسمع لشعب اليمن، تجده يتوارث ذكرى حدثين هامين؛ أولهما زيارة الرئيس جمال عبد الناصر لليمن، وخروجهم بالملايين، من كل أنحاء اليمن، للطريق المؤدي من مطار صنعاء إلى العاصمة، بطول 13 كيلو متر، للترحيب بالزعيم عبد الناصر، أما الثاني فكان زيارة الفنان عادل إمام، بعدما عُين سفيراً للاجئين، فيومها اصطف الآلاف، من كل بقاع اليمن، على طريق المطار، لتحييته، عرفاناً وتقديراً لذلك الفنان العظيم، الذي لمس بأعماله الدرامية كافة أطياف الشعوب العربية.
فلا تنسى مصر، في يوم من الأيام، عندما كانت تعاني من ويلات الإرهاب، أنه طاف بمسرحيته جميع محافظاتها، خاصة محافظات الصعيد، التي كانت معقلاً للإرهابيين، وعملياتهم الوحشية، متحدياً الإرهاب، تماماً مثلما قدم فيلمه “الإرهابي”، الذي أكد على قدرات القوة الناعمة في التصدي للإرهاب بأسلحتها الخاصة. وفي هذه الأيام التي توافق ذكرى ميلاده، اسمحوا لي أن أتقدم برسالة تقدير وامتنان لهذا الفنان الوطني، الكبير، الذي استحق حب المصريين، وحب العرب جميعاً.
وفي الأسابيع الماضية، أقام الفنان محمد منير حفلاً ساهراً، في مدينة العريش، عاشت معه جموع أهل العريش، وأهل سيناء أجمل أمسية فنية، ليثبت للعالم كله، أن سيناء خالية من الإرهاب، بعدما نجحت الدولة المصرية في إعادة السيطرة على زمام الأمور بها، خاصة في مدينة العريش، التي عاشت ست سنوات بتعليمات حظر التجوال الليلي، حفاظاً على حياة المواطنين من العمليات الإرهابية الخسيسة. وجاء حفل الفنان محمد منير لكي يعيد البسمة إلى وجوه أبناء مدينة العريش، خاصة، وأهل سيناء، عامة، من خلال الاستمتاع بأمسية فنية راقية مع ابن مصر الأسمر محمد منير، الذي يتابعه ملايين البشر على مستوى العالم.
وهكذا، يثبت الفن المصري، أن القوة الناعمة أحد أهم أركان، وركائز، القوة الشاملة للدولة، وهو ما لا يجب علينا إغفاله، بل يتعين علينا حسن استخدامه، وتوجيهه، وتعزيز أدواته، وهم فناني مصر، في مختلف مجالات الفنون، بما يضمن لهم التألق والتميز، لتظل مصر عظيمة بقوتها الناعمة.