انطلقت حرب غزة السادسة، يوم التاسع من مايو والتي أطلقت عليها إسرائيل عملية السهم الواقي عندما بدأت من خلال مجموعة من الغارات الجوية بقوة 40 طائرة ضد مناطق متفرقة في قطاع غزة ولقد بدأت إسرائيل التخطيط المسبق لهذه العملية عندما زادت الاشتباكات مع بداية عام 2023 بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية حماس والجهاد الإسلامي وزاد التوتر عقب اقتحام متطرفين إسرائيليين المسجد الأقصى بمدينة القدس في ابريل. ومع بداية الهجوم قامت إسرائيل باستهداف وقتل 3 قادة بارزين من سرايا القدس من صندوق الجهاد الإسلامي هم جهاد شاكر الغنام وخليل صلاح وطارق بن عز الدين ومعهم بالطبع عدد من اسرهم من النساء والأطفال حيث ركز جيش الدفاع الإسرائيلي قذائفه على مدينة غزة وخان يونس كما قامت إسرائيل في نفس الوقت باقتحام بلدات في الضفة الغربية.
وعلى الطرف الأخر قامت المقاومة الفلسطينية بالرد علي إسرائيل بعملية مضادة أطلقت عليها اسم ثأر الاحرار حيث قامت بتوجيه ضربات صاروخية بالقذائف والصواريخ ضد المستوطنات والمدن الإسرائيلية، وصلت حتى العاصمة الإسرائيلية تل ابيب، ردا على الاغتيالات الإسرائيلية لقادة سرايا القدس. وفور بدء ضربات المقاومة الفلسطينية، قامت إسرائيل بإنذار سكان المستوطنات التي تمثل الغلاف الخارجي لقطاع غزة، وطلبت منهم الدخول في الملاجئ، كما أغلقت الطرق المحاذية للسياج الحدودي لقطاع غزة مع إيقاف حركة القطارات من عسقلان وسديروت. كذلك تم إعلان حالة التأهب في مدن أشدود، وبئر سبع وعسقلان.
وجاء الرد من حركة الجهاد الإسلامي من خلال زراعها العسكري سرايا القدس بإطلاق عشرات من القذائف والصواريخ، صوب عدة بلدات منها سيدروت وعسقلان ثم تل أبيب العاصمة. ولقد قامت إسرائيل باستخدام نظام القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ الفلسطينية، وفي تل أبيب سمعت أصوات الانفجارات نتيجة اعتراض صواريخ الدفاع الجوي الإسرائيلية لصواريخ المقاومة، وبالتالي أثار ذلك ذعر الإسرائيليين خاصة في العاصمة الإسرائيلية. حيث استخدمت إسرائيل لأول مرة منظومة دفاعية جديدة ضد الصواريخ الفلسطينية اسمها مقلاع داود المضادة للصواريخ الباليستية، وهو نظام إسرائيلي حديث مصمم لإسقاط الصواريخ البالستية التي يتم إطلاقها من مسافة 100 إلى 200 كم. وينتجها شركة رافائيل لأنظمة الدفاع الإسرائيلي المتطورة. وتبلغ تكلفة الصاروخ الواحد من منظومة مقلاع داود مليون دولار.
وقد لجأت إسرائيل لاستخدام هذا النظام لأول مرة في هذه الحرب ضد صواريخ المقاومة الفلسطينية بعد عدم نجاح تجربة القبة الحديدية في إيقاف صواريخ المقاومة وخاصة وصولها الى العاصمة تل أبيب، وكانت إسرائيل قد بدأت في التفكير لإنتاج مثل هذا النوع من الصواريخ بسبب تهديدات الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تطول إسرائيل حيث سبق لإسرائيل أن استخدمت هذا النظام في 2018 عندما أطلق منها صاروخين لاعتراض صواريخ أطلقت من سوريا ضد جنوب إسرائيل، ونجحت في هذا التوقيت من إسقاط هذين الصاروخين داخل الأراضي السورية.
ولاستكمال أعمال القتال، قامت إسرائيل بتصفية أحمد أبو دقة وبهاء علي غالي، المسؤولين عن نظام الصواريخ في المقاومة الفلسطينية وبذلك ارتفع عدد القادة من حركة الجهاد الذين تم اغتيالهم إلى خمسة وبعدها أصبحوا ستة، وطبقا للتقارير الإسرائيلية، فلقد نجح نظام القبة الحديدية في اعتراض 95% من صواريخ المقاومة الفلسطينية، ولكني أعتقد أن هذا الرقم مبالغ فيه، وطبقا لتقديري الشخصي، فإنه نجاح منظومة القبة الحديدية هذه المرة في التصدي لصواريخ المقاومة لن يزيد عن 75% فقط.
وقد أعلنت إسرائيل أن صاروخ من المقاومة أصاب مبني سكني، في رحوفوت جنوب تل أبيب أدى إلى مقتل رجل وإصابة خمسة إسرائيليين، ومع بداية هذه الحرب نحو قطاع غزة قامت إسرائيل بإغلاق كافة المعابر بين إسرائيل وقطاع غزة، وبذلك تقيدت حركة نقل البضائع ومنع الفلسطينيين العاملين من قطاع غزة إلى إسرائيليين، كما منعت إسرائيل دخول مواد السولار التي يستغلها قطاع غزة في أعمال الكهرباء. كذلك منعت إسرائيل سفن الصيد في غزة من ممارسة أعمالهم وبذلك تم حصار غزة اقتصاديا.
وبنظرة تحليلية لأحداث هذه الحرب. اعتقد أن منظومة القبة الحديدية لم تنجح حتى الآن في التصدي بالكامل، لصواريخ المقاومة الفلسطينية، لذلك اضطرت إسرائيل لاستخدام صواريخ نظام قلاع داود ذوي التكلفة العالية، حيث أن الصاروخ تكلفته مليون دولار، وهذا يعني أنه في حالة استمرار. إسرائيل خوض حرب لفترة طويلة سوف يتم استنزافها اقتصاديا. كما أن إسرائيل ستعمل في الفترة القادمة على تطوير نظام القبة الحديدية، مستفيدة من نتائج هذه الحرب.
وبالنسبة للمقاومة الفلسطينية فلقد استخدمت لأول مرة أسلوب التشويش على نظام القبة الحديدية الإسرائيلي بإطلاق صواريخ بهدف التشويش، وهذا بالطبع قد أضعف من قدرة نظام القبة الحديدية.كذلك استخدمت المقاومة الفلسطينية أسلوب الضرب المكثف بالصواريخ بعدد أكبر من قدرة القبة الحديدية في اتجاه محدد، لذلك نجح عدد من هذه الصواريخ الفلسطينية من الوصول إلى أهدافها، بل وصلت الى تل ابيب وبالتالي هذا سوف يدفع إسرائيل الي ان تقوم بتغيير خطة استخدامها لصواريخ القبة الحديدية في الفترة القادمة، خاصة أن صواريخ المقاومة الفلسطينيةSH90 و A120 ثمن الصاروخ من 300 إلى 1000 دولار، بينما صاروخ القبة الحديدية 50 الف دولار.
ولقد كانت أكبر استفادة لإسرائيل من هذه الحرب هو نجاح نتنياهو باقناع الشعب الإسرائيلي بأن خطر المقاومة الفلسطينية كبير وخصوصا حول حدودها، حتى ان الصواريخ وصلت إلى تل أبيب، وهذا بالطبع يجعل المواطن الإسرائيلي يؤيد بقاء هذه الحكومة اليمنية الدينية المتطرفة برئاسة نتانياهو الذي يحقق لها الأمان، كما نجح نتانياهو في هذه المعركة بأن يصرف وجهة نظر الشعب الإسرائيلي، ولو مؤقتا وأن يتوقف عن المظاهرات التي كانت تطالبه بإيقاف ما أسماه بالإصلاح القضائي الذي كان يحق للكنيست تعيين القضاة وإلغاء أحكام المحكمة العليا الإسرائيلية، وبالتالي يضمن نجاته من التهم الثلاثة الموجه له بالفساد.
ولكن هذا الأمر لم يتضح بعد من إمكانية تحقيقه ام لا وعلى المستولى الاقتصادي خسرت إسرائيل في هذه الحرب مليار دولار والذي بلا شك سيؤثر على زيادة مشاكلها الاقتصادية ونحب أن نؤكد على أن الدور المصري لا زال هو القوة السياسية الوحيدة في المنطقة، كما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، ان مصر قادرة على تحقيق الاستقرار، وذلك بعد نجاح مصر في إيقاف إطلاق النار. في معركة غزة الرابعة والخامسة وها هي المرة السادسة ليعود الاستقرار في المنطقة بجهود الوساطة المصرية بين الفلسطينيين وإسرائيل حيث بدأ بوجود رئيس الدائرة السياسية في حركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي في القاهرة، حيث التقى مع جهاز المخابرات المصرية مع توجه وفد أمني إلى إسرائيل لبحث ومناقشة الهدنة المقترحة حيث كان طلب الجانب الفلسطيني أن تتعهد إسرائيل بوقف سياسة اسرائيل اغتيال قادة المقاومة كما طالبت اسرائيل بوقف اطلاق الصواريخ الموجهة على اسرائيل وبعد ماراثون طويل من المفاوضات نجحت مصر في التواصل لإيقاف اطلاق النار وهكذا ستظل مصر دائما هي القوة التي تضمن استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط.
كاتب المقال
اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج
Email: [email protected]
واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية.
ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.
تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963.
والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.
تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973.
والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.
فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.
تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.
تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.
لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.
وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخباراليوم.