يعتبر مركز القيادة الاستراتيجي للقوات المسلحة المصرية (الأوكتاجون)، هو المركز الرابع، حالياً، على مستوى العالم، بعد البنتاجون الأمريكي، والمركز الاستراتيجي الروسي، الذي زاره الرئيس السيسي، بصحبة الرئيس بوتين، عند زيارته لروسيا، والتي كانت أول زيارة لأجنبي لذلك المراكز، أما المركز الثالث، عالمياً، فهو المركز الاستراتيجي في الصين.
وحالياً، وإذ يتوالى انتقال كافة مؤسسات الدولة المصرية للعاصمة الإدارية الجديدة، والمقرر اكتماله خلال العام الجاري، تتأهب وزارة الدفاع المصرية، للانتقال، كذلك، إلى مقرها الجديد، بالعاصمة الإدارية، والذي يُطلق عليه اسم “الأوكتاجون”، المشتق من اللغة اليونانية القديمة، ويعني ثماني الأضلاع، فكلمة “أوكتا” تعني الرقم “ثمانية”، مثلما تعني كلمة “بنتا” الرقم “خمسة”، ومنه أطلق اسم “بنتاجون” على مبنى وزارة الدفاع الأميركية، ذو الأضلاع الخمسة.
يتكون مركز القيادة الاستراتيجي (الأوكتاجون)، أو وزارة الدفاع المصرية الجديدة، من ثمانية مبانٍ، بأضلاع خارجية “متداخلة”، مثمنة الشكل، يتوسطهم مبنيين آخرين، في المركز، مع إمكانية إضافة مبنيين آخرين، داخل هذا المحور، في المستقبل، وفقاً للمخطط الهندسي، وقد تم إقامة تلك المباني لاستيعاب جميع الهيئات، والإدارات التابعة للقوات المسلحة المصرية. تتشابه فلسفة بناء “الأوكتاجون”، مع فكرة مبنى وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون”، في الجمع بين كافة المنشآت، والإدارات المركزية، للجيش المصري في منطقة واحدة، بهدف تيسير وتنسيق العمل والمهام فيما بينها، بدلاً من الوضع القائم، الذي تتوزع فيه تلك المنشآت بين عدد من المناطق، داخل القاهرة، الأمر الذي يخلق صعوبة في إدارة العمل اليومي، والتنسيق السريع بين الإدارات والهيئات. وهنا تذكرت زياراتي الرسمية، المتكررة، للولايات المتحدة الأمريكية، ضمن وفود مصر العسكرية، عندما كنا ندخل، في الصباح، لمبنى البنتاجون، فلا نخرج منه إلا في نهاية اليوم، لأن جميع القيادات موجودة بداخله، فما كان علينا إلا التحرك من دور لآخر، وفقاً للارتباطات بإدارات أو هيئات متخصصة.
يرجع، توزيع، وتمركز منشآت الجيش المصري، حالياً، إلى أزمنة مختلفة، فتجد بعض تلك المنشآت عبارة عن بقايا معسكرات ومبان الجيش الإنجليزي، التي كانت موجودة بمنطقة العباسية. فضلاً عن أن بناء منشآت ومعسكرات الجيش، كان يعتمد، في الماضي، على التوجه للصحراء، بعيداً عن قلب القاهرة، خارج منطقة العباسية، في ذلك الوقت، ومع الزحف العمراني لتلك المناطق، صار من الضروري إخلائها من المنشآت العسكرية، وجمعها في منطقة واحد، وهي الفرصة التي تهيأت مع العاصمة الإدارية الجديدة، لتواكب القوات المسلحة المصرية الفكر العالمي، بإنشاء مركز القيادة الاستراتيجي، الذي يجمع كافة الإدارات المركزية، والهيئات التابعة لوزارة الدفاع، في مكان واحد، وهو “الأوكتاجون” في العاصمة الادارية.
خرج التصميم المعماري لمبنى الأوكتاجون، ليمزج بين الحضارتين، المصرية القديمة، والإسلامية، فالواجهة الخارجية للمبنى تشبه معبد حتشبسوت، بينما الشكل المثمن للمبنى مستلهم من النجمة الإسلامية. تم إقامة المبنى على مساحة 189 ألف كيلومتر مربع، ويتكون من خمسة طوابق، ويشمل ستة مراكز؛ الأول مركز البيانات الاستراتيجية، الذي تجتمع فيه كل بيانات أجهزة ومؤسسات الدولة، والثاني هو مركز تحكم الشبكة الاستراتيجية، أما الثالث فهو مركز إدارة وتشغيل مرافق الدولة، والرابع هو مركز الاتصالات، والخامس هو مركز الطوارئ، وأخيراً السادس وهو مركز التنبؤات الجوية. كما يوجد مبنيين مركزيين آخرين، أحدهما يمثل المركز الرئيسي للقيادة العامة للقوات المسلحة لإدارة شئون التخطيط والعمليات، والمبنى الآخر للمركز الاستراتيجي المعني بإدارة الأزمات على مستوى الدولة، ومهمته جمع، وتحليل، وحفظ، المعلومات الخاصة بمؤسسات وأجهزة الدولة، وهو ما لم يكن معمولاً به من قبل، في مصر، بهذا النمط المركزي المتميز.
يتماشى ذلك التصميم الجديد لوزارة الدفاع المصرية مع المنظومة العالمية للجيوش المتقدمة، التي تعتمد على التقنيات الحديثة، في ظل عولمة نظام المعلومات واستغلال الفضاء السيبراني، والذكاء الاصطناعي. ولقد تم إنشاء وتجهيز ذلك المقر بأحدث أنظمة العصر من الحاسبات الآلية، ونظم ميكنة وأتمتة المعلومات الحديثة، Automation، بما يضفي مزيداً من الكفاءة في عمليات إدارة القيادات العسكرية. فضلاً عما يحققه من أقصى درجات التأمين الكامل، سواء للأفراد، أو المعلومات، أو المنشآت، باستخدام الوسائط الأوتوماتيكية، للحماية ضد مخاطر الاختراق من الأجهزة المعادية، مع التأكيد على القدرة للعودة للنظام الورقي القديم، حال حدوث أي تهديد أمني، وهو ما اهتمت به القيادة العامة للقوات المسلحة، المسؤولة عن تنفيذ هذا المركز الاستراتيجي. يضاف لكل ما سبق أن مراكز المقر ستضم أماكن إقامة للعاملين، وأسرهم، ومخازن استراتيجية، ومناطق رياضية وترفيهية.
كما يشمل الأوكتاجون مركزاً لإدارة الأزمات، على أعلى مستوى، يعد تطويراً للمركز الذي أنشأته القوات المسلحة، منذ أكثر من 20 عام، ويعتمد على قاعدة عريضة من المعلومات والبيانات الخاصة بكافة اتجاهات الدولة الاستراتيجية، والتي تم استخلاصها من جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها، مع وضع سيناريوهات الحلول، والبدائل المتاحة، لتنفيذها عند حدوث أي أزمة تؤثر على الأمن القومي المصري. يتصل هذا المركز بباقي المراكز إدارة الأزمات، في كافة محافظات ووزارات وأجهزة ومؤسسات الدولة المصرية، بما يحقق لكل قادة القوات المسلحة الاستفادة منها عند الحاجة. وهكذا أدخلت القوات المسلحة المصرية هذا التطوير الجديد، بما يتماشى مع تطورات العصر الحديث، وبما يتيح لقياداتها الاطلاع على كل ما هو جديد ومتطور عالمياً.