هناك فرق شاسع بين الاستثمار والاستحواذ والدمج .. وهل مصر تعاني من أزمة مالية خانقة؟ .. نعم!!.
تلك الأزمة من وجهة نظر شخصية نتجت عن تأثيرات للظروف الخارجية التي طالت معظم دول العالم، ولكن التأثير في مصر كان أعمق بسبب سياسة الحكومة المصرية التي قامت خلال السنوات الماضية على التوسع في الاقتراض بشكل مبالغ فيه من أجل إنشاء مشروعات معظمها غير إنتاجية ليس لها عائد يمكن من خلاله تسديد أقساط وخدمات الدين.
إن النظام المالي والمصرفي في مصر لا زال قويا، ولكنه يحتاج إلى مراجعة في السياسات، فالأرقام تقول أن إيداعات المواطنين في البنوك المصرية حوالي 6 تريليون جنيه وأن الوضع الاقتصادي لم يصل لمرحلة الخطر أو الإفلاس لا قدر الله.
المشكلة والخطورة فقط تكمن في زيادة الفجوة بين الطبقات في الوقت الراهن بشكل ليس له مثيل، فالأغنياء يتضاعف ثراؤهم لتمكنهم من اقتناص الفرص في مثل تلك الظروف، والفقراء يزداد حالهم سوءا، والطبقة الوسطى (التي هي أساس استقرار أي مجتمع) تتلاشى وتذوب!
الحكومة للأسف في الوقت الراهن يقوم منهجها الاقتصادي على بيع الأصول من أجل سد عجز الميزان التجاري ونقص السيولة المالية والتمكن من سداد أقساط الديون وخدماتها المتعلقة، والاتجاه إلى شركات خليجية لشراء جزء أو كل من بعض الشركات المصرية الرابحة والبنوك الخاصة والفنادق والكيانات الاقتصادية الأخرى.
لا بد من التركيز على تشجيع وخلق البيئة المواتية للاستثمار في المشروعات الإنتاجية التي تصب في صالح الاقتصاد الوطني، وليس على الخصخصة والاستحواذ على شركات قائمة بالفعل وتحقق ربحية.
عمليات الخصخصة والاستحواذ، بالرغم من التضمين كنوع من أنواع الاستثمار المباشر، إلا أنها تعد من أسوأ أنواع الاستثمار المباشر، لأنها تساهم في نقل الأرباح فقط ولا تساعد في تحقيق التنمية، ولا سيما أن يكون المستحوذين أجانب فيتم نقل الأرباح إلى اقتصادات دول أخرى.
الاستثمار Investment هو عملية اقتصادية تقوم على تخصيص موارد مالية وغير مالية (الجهد والوقت) لضخها في مشروعات معينة بهدف تحقيق الربح في المستقبل، بشرط الإنتاج وإفادة الاقتصاد القومي للدولة الحاضنة. والاستثمار على مستوى الاقتصاد القومي يتعلق بالإنفاق الاستثماري على المشروعات الجديدة في قطاعات المرافق والبنية التحتية مثل الطاقة والصرف الصحي والطرق والإسكان، وأيضا مشروعات التنمية الاجتماعية مثل التعليم والصحة والضمان الاجتماعي.
وتكمن أهمية الاستثمار بالنسبة للحكومة في مساعدتها على تحسين الوضع الاقتصادي العام وضخ العملة الصعبة من خلال تنمية الصادرات، وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي من خلال المشروعات الإنتاجية وخلق فرص عمل للمواطنين ورفع مستواهم الاجتماعي والمعيشي.
أما أن تشتري شركة أو كيان اقتصادي (خارجي أو داخلي) شركة أو كيان آخر قائم والعمل تحت اسم الكيان المشتري، فهذا ما يطلق عليه الاستحواذ Acquisition
وإذا قامت شركة أو كيان اقتصادي (داخلي أو خارجي) بالاندماج مع شركة أو كيان آخر قائم وتختفي الشركتان المندمجتان وتتأسس شركة جديدة مشتركة مكونة من الشركتين، فهذا ما يطلق عليه الاندماج Merger
وبالرغم من أن عمليات وصفقات الاستحواذ ظاهرة اقتصادية عالمية لا تقتصر على دولة دون أخرى، وان كانت تأخذ في بعض الأوقات شكلا أكثر كثافة وحضورا في بعض القطاعات أو الاقتصاديات، كما هو حاصل في الوقت الحاضر في مصر، والتي تتناقل الأخبار عن عمليات وصفقات الاستحواذ لمستثمرين خليجيين بشكل خاص، تمثل ظاهرة اقتصادية لها مردوداتها الإيجابية بشكل عام على حركة الاقتصاد وتطور قطاعاته المختلفة وظهور مجموعات اقتصادية عملاقة ذات قدرات مالية وصناعية كبيرة مما سينعكس على نمو الاقتصاد الكلي وتحسين شروط المنافسة وعمليات التطوير، إلا أن المخاطر تكمن في التوسع في صفقات الاستحواذ وسيطر رؤوس الأموال الأجنبية والتسريب للاقتصاديات الأخرى.
بشكل عام، من المعروف أن اللجوء إلى عقود الاندماج والاستحواذ يمثل في الأساس طوق نجاة لتجنب إشهار إفلاس أو تصفية الشركات والكيانات الاقتصادية – وليس لسبب آخر مثل التمكن من سداد الديون وسد عجز الموازنة.