أخبارمنوعات

الكاتب الصحفى” محمود السيوفى ” يرثى المغفور له بإذن الله تعالى المرحوم والده ويكتب : سنوات فى بيت المحترم !! 

في يوم 26 يناير، 2022 | بتوقيت 8:15 مساءً

كنت أشعر بفرحة شديدة وأنا صغير عندما كان يناديني أبناء بلدي”  بابن المحترم ” ،وكانت هذه الفرحة تزيد عندما أتنقل بين القرى المجاورة لقريتي وعندما تضطرني الظروف لتقديم نفسي لهم كانوا يرددون أنت ابن الرجل المحترم ..

هذه هي السيرة العطرة التي كنت و مازلت أتفاخر بها بين الناس ،سيرة لرجل بألف رجل جعلتني لا أعرف من أين ابدأ الكتابة عنه ،وهل سوف أجد في الأبجدية كلمات تصف تلك السيرة العطرة التي تليق بهذا الرجل الاستثنائي في زمن عز فيه الرجال ..؟!

.. وهى كتابة مختلفة تستحق أن تسطر بماء الذهب.. كتابة تستحقه ويستحقها، ولعل هي المرة الأولى التي أجد صعوبة في أن أمسك بالقلم كي أكتب .

فمنذ أن احترفت هذه المهنة وقلمي لم يخالفني ،كان دوما طيعا بين أنامل يدي في الوقت الذي أطلبه .

لكن هذه المرة يراوغني والكلمات أشعر أنها تهرب مني أيضا ،وما أن أجدها بصعوبة تتلاشي كالدخان .. كلاهما رفع راية العصيان ضدي “القلم و الكلمات ” أمام الحدث الجلل ..!

قد يكون الحدث أكبر من الكلمات ،خاصة إذا كنت في هذه المرة اريد أن أعبر بالكلمة عن جزء بسيط من فضل رجل هو ” المثل والقدوة و الأب ” في آن واحد.

وهذا ما يجعل قرار الكتابة الآن من وجهة نظري غير مناسب، يقينا أنها لن تكون في محلها في هذا اليوم الموعود ،والذي كنت اخشاه واترقبه وأعلم علم اليقين أنه يوم آت لا محال ، فتلك هي سنة الحياة .. نعم الموت حق وهو الحقيقة الوحيدة ،لكن مصيبة فقد الأب كبيرة وكبيرة جداً لو تعلمون . 

و عندما شرعت في التهيؤ للكتابة أردت بهذه الكلمات أن أوفى هذا الرجل جزء بسيط من فضله .

لكنى لا أعرف كيف سأكتب وأعطى الرجولة والشهامة والكرم والأخلاق والإيثار وعزة النفس وصلة الأرحام حقها.

وما زاد فداحة الأمر أنني أكتب عن والدى وما أدراك ما والدى ..إلا إنني وأنا أبحث بين الكلمات تذكرت قول الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي ” لعلى أوفي تلك الأبوة حقها وإن كان لا يوفي بكيل الأوزان .

فأعظم مجدى كان أنك لي أب ، وأكبر فخرى كان قولك هذا ابني ” ..تذكرت هذا بعد أن فقدت الوجه النبيل المشرق ..فقدت نسمة جميلة وبسمة ملائكية ..فقدت دفء  اللقاء وعمق الإنسان وأصالة الجوهر ..فقدت النبيل الشريف ..فقدت من تجتمع فيه كل فضيلة تحبها وتأنس إليها ..فقدت المثل والقدوة.. رجل تتعطر المجالس بذكره.

مازلت أتذكر وأنا صغير كيف لهذا الرجل أن يجمع الصرامة والحزم والقوة مع فيض من حنان لا مثيل له.

لا يقبل بأنصاف الحلول أو القسمة على اثنين ولا يعرف من الألوان إلا الأبيض والأسود..رجل صادق مع نفسه قبل الأخرين .

واسمحوا لي أن أذكر لمحة بسيطة عن هذا الرجل العظيم في كل شيء ، فهو ابن وحيد لرجل رزقه الله 4 من البنات ، وكان قضاء الله أن يمرض والده وهو صغير ، لكن إرادة الله أيضًا تمنح هذا الابن الشجاعة لأن يتحمل مسئولية أب وأم و 4 شقيقات ،ثم بعد ذلك زوجة وعدد من الأبناء.

ويصر وهو ابن السادسة عشر من عمره أن يؤدى رسالته على أكمل وجه ، فيصل الليل بالنهار حتى يستطيع الوفاء بالتزاماته تجاه أسرته الكبيرة ، فيزوج شقيقاته ويظل بيته مفتوحاً لهم ولأبنائهم، ويظل هذا الشاب البار على العهد الذى قطعه على نفسه أن يظل بيته وماله لأهله.

وأن يظل والده على الهيئة التي كان عليها قبل أن يمرض ، فكان يحرص على أن يرتدي والده أفخم الملابس حتى يظهر بالمنظر المعتاد ، بل وكان يلبى كل طلباته قبل أن يطلبها، ثم سرعان ما يتوفى والده ويستمر هو في مواصلة بره للجميع.

حتى وقت أن مرضت إحدى شقيقاته فيصر على علاجها عند أكبر الأطباء في هذا الوقت ،وكانت تقوله له ” تعبتك واثقلت عليك ..فيرد هو  اقطع من لحمي لكى ” ،ثم يستمر هذا الأخ في بره لشقيقاته بكل الطرق الممكنة ،وقد كنت أرى مدى حبهم وتقديرهم  وإحترامهم له.

هذا جزء بسيط عن الأخ ،فكيف عن الأب ؟ هذا الرجل الذى ظل حتى أخر يوم في حياته يعطى ويُعلم ويؤسس قيم وعادات في أبنائه.

يعطى أبنائه ويرفض أي شيء منهم ،وكان يردد ” أنكم مهما بلغتم من السن والمكانة فكلكم مسئولين منى ” هي عزة النفس في أبهى صورها .

ثم يُعلم هذا الرجل أبنائه كيف تكون صلة الأرحام مع الأهل وكيف تكون حقوق الجيرة ،وأن الجار له حقوق كثيرة لابد من الحرص عليها.

وقبل كل ذلك كيف تمشى بين الناس بالأخلاق الحميدة ،ويصر على أن الصدق والمعاملة الحسنة هي شهاد العبور الحقيقية بين الناس.

وكيف كان حرصه على الصلاة والزكاة وإطعام الطعام .

نعم عشت سنوات طويلة في حيرة شديدة ،وكان السؤال الدائم من أين يأتي هذا الرجل بكل هذا ؟ من الذى علم هذا الرجل الذى يُعلم المتعلمين ؟

لكن رسخت في ذهني إجابة واحدة أن هذا هو جزاء البر وصلة الأرحام وعمارة المساجد والعطاء وعزة النفس وأشياء أخرى جميلة يعجز اللسان عن ذكرها .

ثم كانت النتيجة من عند الكريم أرحم الراحمين أن يكون ختامه مسك ،فتكون أخر كلماته نطق الشهادتين ثم تصعد روحه إلى بارئها ..

رحم الله والدى وأسكنه الفردوس الأعلى في الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ومع هول هذه المصيبة تذكرت قول محمود سامى البارودي

 فزعت إلى الدموع فلم تجبني

وفقد الدمع عند الحزن داء

 وما قصرت في جزع

ولكن إذا غلب الأسى ذهب البكاء

 كاتب المقال

محمود السيوفى

 الكاتب الصحفى

 رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير لبوابة اليوم الإقتصادى

نائب رئيس شعبة الصحافة السياحية بنقابة الصحفيين المصرية

عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين

 عضو جمعية الكتاب السياحيين المصرية

 عضو الإتحاد الدولى للكتاب السياحيين