تناولت في مقالي، في الأسبوع الماضي، وصولي إلى الأقصر، محافظاً لها، وبداية العمل في إعداد خطة تطويرها حتى عام 2030، والتي اعتمدت على محاور ثلاث رئيسية؛ أولها محور المشروعات الخدمية للمواطن، والمحور الثاني النهوض بالسياحة، والمحور الثالث تطوير المناطق الأثرية، وعرضت قصة نجاح تطوير ساحة الكرنك، أكبر آثار العالم، رغم الصعوبات التي واجهتها، حتى فازت عملية تطوير ساحة الكرنك بجائزة اليونسكو، وتسلمت الجائزة في المؤتمر السنوي لليونسكو، الذي عقد، حينها، في البرازيل.
واليوم أعرض، لحضراتكم، أهم ملحمة في تطوير المناطق الأثرية، في الأقصر، وهو إعادة فتح طريق الكباش، ضمن خطة تحويل الأقصر إلى أكبر متحف مفتوح، في العالم. تلك الملحمة التي بدأت في الأسبوع الأول لتولي منصبي، بزيارة من الأثري الدكتور منصور بوريك، رئيس منطقة آثار الأقصر، حدثني خلالها عن حلمه في إعادة فتح طريق الكباش، ذلك الرجل الذي لعب دوراً بارزاً في تلك الملحمة، لنصل إلى ما نحن فيه اليوم.
وإيماناً بضرورة تحويل ذلك الحلم إلى حقيقة، عقدت اجتماعاً، على الفور، مع سيادته والسيد الدكتور أيمن عاشور، استشاري الأقصر، حينها، لوضع خطة لإعادة فتح طريق الكباش، اعتمدت على تقسيم الطريق إلى خمسة قطاعات.
القطاع الأول بطول 500 متر يبدأ من معبد الأقصر، تعلوه مبان قسم شرطة الأقصر، وثلاث مساجد وكنيسة، ومبنى لشركة بنزايون، فضلاً عن عدد من البازارات العشوائية.
أما القطاع الثاني، بطول 950 متر، فعليه مسجد، ومبان سكنية بارتفاع 3 أدوار بإجمالي 350 شقة وعشة.
وقد رأى الجميع استحالة إزالة العشوائيات والإشغالات في تلك القطاعات، وبفرض نجاح عملية الإزالة، استبعد الكثيرون، من غير ذوي الاختصاص، وجود كباش أسفل تلك المبان، وقيل لي “معقول عمارات 3 أدوار هتلاقي تحتها كباش”.
أما القطاعين الثالث والرابع فكانا عبارة عن زراعات برسيم وخضراوات خلف مكتبة الأقصر، بينما كان القطاع الخامس عبارة عن “نجع أبو عصبة”، السكني.
عرضت فكرة إعادة فتح طريق الكباش على اللجنة الوزارية لتطوير الأقصر، برئاسة الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء حينها، وبعضوية عدد من الوزراء، منهم وزير الثقافة فاروق حسني، والسيدة فايزة أبو النجا وزير التعاون الدولي، ووزير السياحة أحمد المغربي، ومساعد وزير الداخلية، ووافقت اللجنة بالإجماع على المشروع، رغم توقعاتها بصعوبات تنفيذه، لما يتطلبه من نقل السكان، وهدم دور العبادة، فضلاً عن معضلة التمويل، التي تصدت لها الوزيرة الفاضلة فايزة أبو النجا، بوعد للحصول على التمويل اللازم، لتبدأ أهم عملية في تاريخ أثار مصر، بعد نقل معبد أبو سمبل، وهي “فتح طريق الكباش”.
واستغرق تطوير القطاع الأول نحو عام كامل تمت خلاله عمليات الإزالة، والإحلال ببناء قسم جديد للشرطة، وثلاثة مساجد، جديدة، على أحدث طراز عمراني، وكنيسة جديدة، بعد إقناع رجال الكنيسة الإنجيلية ببناء كنيسة جديدة لهم خارج المنطقة الأثرية.
خلال ذلك العام، زار السيد بندارين، رئيس التراث في منظمة اليونسكو، المنطقة ثلاث مرات، لم يكن يصدق في كل مرة منهم، حجم الإنجاز الذي نصل له.
واجتمعت مع الشيخ محمد الطيب، رئيس المجلس المحلي، الذي تتطلب أعمال الإزالة موافقته وموافقة أعضاء المجلس، والحقيقة أنه رجل عظيم ومستنير، أدرك أن المشروع يعود بالنفع العام على المحافظة وجميع أهلها، فقال لي، بالحرف الواحد، “سنقف معك في عملية التطوير”.
ووافق المجلس المحلي على إزالة كل تلك المنازل، خاصة وأنه رغم عشوائيتها، وتعديها على أملاك الدولة، إلا أننا كنا نستهدف الصالح العام، وقبل أن نشرع في الإزالة، كنا قد أقمنا منازل بديلة، في مناطق قريبة، نفذها جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، على أراضي الدولة الصالحة للسكن، وعرضنا على قاطني العشوائيات أحد البديلين؛ إما الحصول على سكن تمليك، أو الحصول على تعويض مالي مناسب، وتولى لجنة التعويضات المستشار النزيه عادل شوقي.
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1872618
وكان العميد سيد الوكيل، سكرتير عام المحافظة، يتلقى علاجه الكيماوي في المساء، ويصر على التواجد، في الصباح الباكر، بمنطقة الإزالات، لمتابعة العمل، في ظل إصرار البعض على أننا لن نجد الكباش تحت تلك المنازل.
وبدأ الدكتور منصور بوريك أعمال الحفر ولم نجد شيئاً حتى عمق 4 متر، واستمر الحفر لعمق 6 متر، لنتفاجأ بأن العناية الإلهية قد حمت الكباش بطبقة عازلة من طمي الفيضان، تكونت على مدار 4000 سنة.
ووجدنا الكباش سليمة إلا بعضها ممن قطع الرومان رقبتهم، عند دخولهم مصر بالديانة الجديدة، فبدأت عمليات الترميم، بدعم وإشراف الوزير فاروق حسني والدكتور زاهي حواس.
وفي عام 2011 كرمني الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماعه السنوي في إيطاليا، باعتبارها المرة الأولى التي يساهم الاتحاد الأوروبي في عمليات تطوير التراث.
واليوم، عندما نحتفل بتحويل الأقصر لأكبر متحف مفتوح في العالم، لا ننسى جهد وإخلاص الكثيرين من أبناء مصر العظيمة، ولا ننسى فضل الله سبحانه وتعالى الذي حفظ تراثنا، وكلل جهودنا بالنجاح.
Email: [email protected]
كاتب المقال
اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج
واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية.
ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.
تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963
والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.
تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973
والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.
فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.
تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.
تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.
لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.
وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخباراليوم