آثار ومصرياتأخبارسياحة وسفرشئون مصريةمنوعات

لتتزين مصر بلؤلؤة جديدة في تاجها بين بلدان العالم ..إفتتاح المتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية بعد تطويره مطلع عام 2022 بتكلفة 150 مليون جنيه

المتحف أنشئ منذ 129 عاماً ويضم آثاراً تعود لـ300 عام قبل الميلاد..يضم بين مقتنياته تماثيل للإسكندر الأكبر ومارك أنتونى وإيزيس وأفروديت

في يوم 19 نوفمبر، 2021 | بتوقيت 5:00 مساءً

يحتوي المتحف على حديقة متحفية بها جزء من معبد “سوبك” يعود لعهد بطليموس السابع

رغم المتاحف المتنوعة في مصر إلا أن للمتحف اليوناني الروماني مكانة خاصة على خريطة السياحة العالمية، ليس لكونه ثاني أقدم المتاحف في مصر بعد المتحف المصري بالتحرير، أو لأنه من أهم المتاحف الشاهدة على الحضارة الإغريقية والرومانية.

بل لأنه يمثل جزءاً من الذاكرة الجمعية لأبناء وأحفاد أجيال ممن عاشوا تحت سماء الإسكندرية من مختلف أنحاء العالم، فهو المزار الذي يذكرهم بأن لهم جذورا ممتدة عبر القرون في هذه البقعة التي كانت منارة الحضارة والعلم في العالم القديم.

وفي الوقت الذي لا يزال قبر الإسكندر لغزا يحير العالم منذ آلاف السنين كان هذا المتحف قبلة لمن يريدون تلمس آثار الإسكندر وتاريخ مدينته. يكمن سحر هذا المتحف في أنه يعود بك إلى 300 عام قبل الميلاد حينما بنيت الإسكندرية لتخلد ذكرى الإسكندر المقدوني، تم إنشاء المتحف اليوناني الروماني عام 1892 وافتتحه الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1895م، لكنه أغلق للترميم منذ عام 2005. 

كانت زيارة المتحف تمثل زيارة قلب المدينة النابض بالذكريات التاريخية، لكنه لا يزال قيد الترميم منذ 16 عاما ومؤخرا أعلنت وزارة السياحة والآثار عن قرب افتتاحه  حلال الفترة المقبلة من العام الحالى 2021 بعدما أنتهت الهيئة الهندسية من 97% من أعمال التطوير .

ويأتي مشروع تطوير وترميم المتحف اليوناني والروماني بالتعاون بين المجلس الأعلى للآثار والهيئة الهندسية للقوات المسلحة طبقا لبروتوكول التعاون الموقع بين وزارة السياحة والآثار والهيئة فى شهر أبريل عام 2017م، لتطوير وترميم 8 مواقع أثرية من بينها المتحف اليوناني الرومانى، والذي بدأت  فيه أعمال التطوير والترميم في فبراير 2018 وذلك بالتنسيق مع المسئولين من الإدارة الهندسية بقطاع المشروعات لمتابعة الخطوات الخاصة بالعملية الإنشائية أولا بأول،حيث وصلت نسبة تنفيذ الأعمال بالمشروع لأكثر من 97 % من إجمالي الأعمال.

أعمال التطوير بالمتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية

وتم الانتهاء من إعداد سيناريو العرض المتحفي وتحديد أماكن الفتارين للقطع الأثرية صغيرة الحجم، ليصبح مركزا علميا وثقافيا لحضارات البحر المتوسط يشمل قاعات للعرض المتحفي، وحديقة متحفية، ومركز لحفظ وترميم الآثار، ومركز آخر لبحوث العملة، ومركز للبحث العلمي. كما يضم أيضا قاعات للدراسة والمؤتمرات ومكتبة وورشة طباعة، وقاعات وسائط متعددة Multimedia، وأيضاً مدرسة للتربية المتحفية لتنمية الوعي الأثري للأطفال.

ويهدف مشروع ترميم وتطوير المتحف اليوناني الروماني إلى تعزيز الرسالة العلمية والثقافية التنويرية للمتحف، والذي يعد واحدٍ من أهم وأعظم متاحف منطقة حوض البحر المتوسط بأسرها، فهو يتمركز في أقدم الشوارع الأثرية الرئيسية لمدينة الإسكندرية، عروس البحر المتوسط وحلقة الوصل بين اليونان ومصر قديما.

وفي عام 1983 تم تسجل المتحف في عِداد الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بمنطقة آثار الإسكندرية والساحل الشمالي، وتم اتخاذ قرار غلق المتحف لترميمه وتطويره وتحديث سيناريو العرض المتحفي به بشكل كامل منذ أكثر من 16 عام، حيث نُقلت جميع مقتنياته إلى المخازن المتحفية المختلفة بالمحافظة مثل مخزن ماريا ، ومارينا، ومطروح، والحديقة الخاصة بالمتحف القومي، والمنطقة الأثرية بكوم الشقافة، كما تم نقل المكتبة الخاصة  بالمتحف إلى المتحف البحري.

صورة لقاعة من المتحف اليوناني الروماني التقطت عام 1930

والمتحف سيضم أكثر من 30 قاعة للعرض طبقًا لسيناريو العرض المتحفي الذي قامت بوضعه لجنة أثرية تم تشكيلها لعرض قرابة 20 ألف قطعة أثرية ترجع للعصور اليونانية والرومانية، حيث يتم تنفيذ المشروع الشامل للتطوير واستحداث نظم العرض المتحفي لتواكب المتاحف العالمية ووفقا للنظم الأوروبية بتكلفة تقدر بنحو 150 مليون جنيه.

سيصبح  المتحف  مركزًا علميًا وثقافيًا لحضارات البحر المتوسط؛ فإلى جانب قاعات العرض المتحفي، وحديقة المتحف، سيضم مركزا لحفظ وترميم الآثار، ومركزا آخر لبحوث العملة، ومركزا للبحث العلمي. كما يضم أيضا قاعات للدراسة والمؤتمرات، ومكتبة وورشة طباعة، وقاعات وسائط متعددة Multimedia، وأيضًا مدرسة للتربية المتحفية لتنمية الوعي الأثري للأطفال.

ويقع المتحف في قلب الإسكندرية بالقرب من مكتبة الإسكندرية والمسرح الروماني، كما أن موقعه الحالي يجعله يقف على أطلال الحي الملكي الذي كان مشهودا له منذ نشأة الإسكندرية وتحديدا في العصر البطلمي بالفخامة والمعابد والقصور الملكية.

ويُعد المتحف من أهم المزارات على خريطة السياحة العالمية لما يحتويه من آثار تخص الإسكندر الأكبر ومارك أنتوني وكانت إيراداته السنوية تقدر بنحو 40 مليون جنيه.

ويرجع الفضل للإيطالي جوسيبي بوتي في تأسيس المتحف اليوناني الروماني حيث كان هو صاحب الفكرة وأقنع بها الخديوي، وكان له الكثير من الكشوف الأثرية في مناطق كوم الشقافة وكوم الدكة وكرموز.

ويشمل مشروع تطوير المتحف الإبقاء على طرازه المعماري وبوابته الخارجية ذات الشكل اليوناني الروماني والتي تشبه واجهة معبد الأكروبوليس بأثينا، ومضاعفة مسطح المتحف ليصل إلى 10 آلاف متر مربع من خلال إقامة دور ثان وزيادة عدد قاعات العرض المتحفي وإقامة مكتبة وقاعة للمحاضرات واستخدام أحدث نظم الإضاءة.

ورغم وجود آثار يونانية ورومانية في كثير من مناطق الشرق الأوسط إلا أن مقتنيات هذا المتحف تتميز بفرادتها. 

صورة لتماثيل التناجرا تتضمن تمثال أفروديت التقطت عام 1930

وهذا المتحف له قيمة وأهمية لكونه يضم آثارا تجسد إمبراطورية قامت على أرض مصر لمدة 900 عام أنتجت القصور والمعابد والقلاع وأفرزت فنا ممتزجا بالفن المصري القديم فخرجت بإبداعات لها طابع خاص يميزها عن الآثار الهيللينة والإغريقية في أي مكان في العالم.

وقد تأسس المتحف عام 1891م في شارع الحرية بجهود أبناء المدينة من طبقة النبلاء والأثرياء وعشاق جمع الآثار؛ حيث كان متاحا التنقيب عن الآثار وجمعها دون قانون يقنن ذلك، وأشهرهم وافرستو برتشيا وجوسيبي بوتي والأمير عمر طوسون الذين نقبوا عن الآثار الغارقة في أبو قير والفيوم وكانت مقتنياتهم نواة لهذا المتحف كذلك شارك الملك فؤاد والأمير عباس كامل وجيلمونوبلو ومحرم باشا بإثراء المتحف ببعض القطع، إلا أن المتحف في مقره الحالي منذ عام 1895م.

وبدأ المتحف بـ10 قاعات ثم أصبح يضم 27 قاعة فضلا عن الحديقة المتحفية، ومن أهم مقتنياته جزء من معبد كان مخصصا لعبادة الإله (سوبك) من الحجر الجيري يعود لعصر بطليموس السابع وكان معروضا في حديقة المتحف، رأس تمثال من الرخام الأبيض للإسكندر الأكبر ورأس تمثال من الجرانيت الأحمر للإسكندر أيضا، وتمثال الثور أبيس (الإله على الهيئة المصرية) من البازلت الأسود وعلى بطنه نقش يشير إلى أنه صمم في عهد الإمبراطور هادريان (117 – 138م) وقد اكتشف هذا التمثال في قدس الأقداس بمعبد السيرابيوم، وتمثال إيزيس من الرخام وعثر عليه بمعبد الرأس السوداء مع تماثيل للإله أوزوريس وهرمانوبيس وحربوقراط.

كما أن المتحف يضم مجموعات تمثل كل مظاهر الحياة اليومية من أوانٍ وأباريق وأكواب وأدوات طعام وملبس وعملات معدنية وأثاث وحلي نسائية، إلى جانب تماثيل بمعالم تشريحية، هذا إلى جانب مجموعة آثار الحضارة البيزنطية والقبطية التي تم اكتشافها في أديرة الإسكندرية.

وبالفعل المتحف كان بحاجة ماسة للترميم وإعادة تصميم العرض المتحفي لمقتنياته التي لا تقدر بثمن؛ حيث كان مكدسا بالقطع الأثرية ويكفي أن نعلم أنه يحتوي على أكبر مجموعة من تماثيل التناجرا وقد استلزم نقل القطع عدة سنوات لتخزينها والبدء بمشروع الترميم .

والمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، هو من أقدم المتاحف المتخصصة حيث إن المتحف بالأساس تم تشييده لحفظ الآثار المكتشفة بالإسكندرية والتي ترجع في أغلبها للعصرين اليوناني والروماني، كما زود المتحف بمجموعات مكتشفة من محافظات مصر الأخرى منها: المنيا وبعض مقتنيات متحف القاهرة وعدد من لوحات ومومياوات الفيوم حيث يرجع تاريخ معظم مقتنيات المتحف إلى الفترة الممتدة ما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي وتشمل العصرين اليوناني والروماني وكذا العصر القبطي .

لم يكن المتحف  في مبناه الحالي ، وإنما كان عبارة عن شقة مكونة من خمس غرف في شارع رشيد (طريق كانوب أو طريق الحرية حاليا) وذلك عام 1892م ثم نقلت محتويات المتحف إلى المبني الحالي عام 1895م وكان المبني من تصميم المعماري ديتريش وستيون على طراز المباني الإغريقية السائد في الإسكندرية القديمة.

والمتحف قد تم تطويره من قبل عام 1984 وفي عام 2005 صدر قرار بغلق المتحف للتطوير حيث بدأت أعمال جرد وتوثيق مقتنيات المتحف وترميم ما يلزمه ترميم منها ثم عملية التغليف والنقل إلى المخازن المتحفية كما تمت إعارة مجموعات من القطع لمتحف آثار مكتبة الإسكندرية ومتحف الاسكندرية القومي والمتحف الكبير بالجيزة ومتحف الحضارة بالفسطاط ليعرض بعضها بصورة دائمة وبعضها بصورة مؤقته في هذه المتاحف.

وقد تم نقل مكتبة المتحف اليوناني الروماني إلى المتحف البحري بالإسكندرية وكانت هذه المكتبة تعد واحدة من أهم مكتبات الاسكندرية لما تحتويه من كتب نادرة ووثائق أصلية تخص سجلات الحفائر في الإسكندرية في القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20، وقد ظل المتحف مغلقا بعدها نظرا لعدم توافر الاعتمادات المالية لاستكمال الأعمال بسبب توقف السياحة بعد ثورة 25 يناير.

وقد تم استكمال أعمال التطوير في المتحف في مطلع عام 2018 بعد توفير الاعتمادات المالية اللازمة وذلك ضمن خطة الحكومة المصرية وتوجيهات رئاسة الجمهورية والتي تؤكد على الاهتمام بالآثار المصرية بكافة مراحلها التاريخية كجزء هام من الهوية المصرية وأهمية استغلال هذا الناتج الحضاري الضخم من الكنوز والأعمال الفنية لوضع مصر وشعبها في مكانتهما الصحيحة التي يستحقانها كأحد أعرق الأمم والحضارات.

وهذا التطوير الحالي للمتحف نابع من إدراك الدولة المصرية لأهمية الثقافة والتراث الحضارى  في مكافحة الأفكار المتطرفة وزيادة الدخل القومي عبر تنشيط السياحة ومن المنتظر افتتاح المتحف للجمهور ربما فى بداية عام 2022 لتتزين مصر بلؤلؤة جديدة في تاجها بين بلدان العالم.

أمال محمد شاكر