في تطور مفاجئ أعلنت إيران أنها سوف تستأنف المباحثات لإحياء الاتفاق السابق حول برنامجها النووي 5+1 مع الدول الكبرى في فيينا في يوم 29 نوفمبر القادم.
وجاء اعلان وموافقة ايران علي استئناف المفاوضات بعد ضغوط كبيرة تعرضت لها ايران في الفترة الماضية خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية قد حذرت بأن التطور النووي في ايران بلغ مستويات كبيرة.
كذلك ظهرت التهديدات الإسرائيلية الجادة نحو القيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية في ايران وكان الاتحاد الأوروبي قد اعلن أن موفده إنركي مورا الذي سبق أن ترأس جولات سابقة من المحادثات مع طهران قد زار طهران مؤخرا وعاد ليعلن أن ايران قبلت العودة الي المفاوضات في الجلسة القادمة التي ستعقد في 29 نوفمبر القادم وبعدها اعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن عزم الولايات المتحدة الي العودة الي الاتفاق الذي تم عام 2015 ولكنه اشترط عودة طهران لتنفيذ الاتفاق بكافة بنوده وفي واشنطن.
وأعلن المتحدث باسم الخارجية الامريكية نيد برايس أن عددا صغيرا من القضايا لايزال عالقا عندما تم تعليق الاتفاق خلال المفاوضات الغير مباشرة التي كانت تتم بينهم في يونية الماضي وأضاف نيد أن الاتفاق من الممكن الوصول له سريعا لإنقاذ الاتفاق السابق 5+1 الذي يمنع حصول ايران علي السلاح النووي.
لكنه شدد علي أنه صبر أمريكا لن يستمر طويلا والي ما لانهاية وعلي الطرف الآخر تطالب ايران برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.. كذلك تطالب بضمانات أمريكية بتنفيذ الاتفاق الجديد بعد الوصول اليه.. حتى لا يحدث ما تم من ترامب عندما أعلن انسحاب أمريكا من الاتفاق السابق.
وكانت ايران قد وقعَت علي الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015، بالعاصمة النمساوية بين مجموعة 5+1 وايران بعد مباحثات استمرت 10 سنوات، حيث نص الاتفاق علي رفع العقوبات الاقتصادية الموضوعة علي ايران من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي في مقابل تخلي ايران عن برنامج التسليح النووي والتوصل الي تسوية بشأن تفتيش المواقع النووية والسماح للمفتشين التابعين لهيئة الأمم المتحدة بمراقبة المواقع العسكرية الإيرانية ويومها كان تعليق الرئيس أوباما أن هذا الاتفاق النووي مع ايران يقطع أي طريق أمام ايران للحصول علي أسلحة نووية.. بينما ذكر الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني أن الاتفاق يفتح فصلا جديدا في علاقات ايران مع العالم.
ولكن بعد كل ذلك الجهد جاء الرئيس ترامب الي الحكم وأعلن في 8 مايو عام 2018 رسميا خروج بلاده من الاتفاق النووي الإيراني ووصف هذه الحركة بالانسحاب وأضاف قائلا إن هذا ليس اتفاقا وأمريكا لا تستطيع العمل به أو تنفيذه وأضاف أن أمريكا سوف تفرض اعلي مستوي من العقوبات الاقتصادية مرة أخري علي ايران.
ولقد دعمت إسرائيل قرار ترامب بينما رفضت باقي الدول الأوروبية فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وروسيا وبريطانيا والصين قرار انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني 5+1.. وعلى مستوي الشرق الأوسط رحبت السعودية بقرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق.. اما رد إيران فلقد تقدمت في 16 يوليو 2018 بشكوى أمام محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة احتجاجا على إعادة فرض العقوبات الاقتصادية عليها مرة أخري.
وعندما تعود الي الخلفية التاريخية للملف النووي الإيراني يظهر لنا أنه مر بحوالي 10 مراحل بدأ في خمسينيات القرن الماضي عندما وقع شاه ايران اتفاق برنامج نووي مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس ايزنهاور وحصلت ايران أيامها علي أول مفاعلاتها النووية من أمريكا وكان مفاعل بحثي قدرته 5 ميجاوات وعندما وقعت ايران علي معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1968 أصبحت خاضعة للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة بعدها طورت ايران نفسها بإنشاء الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية وفي عام 79 عندما تم قطع العلاقات بين ايران وأمريكا نوقف البرنامج النووي الإيراني بعد اندلاع الثورة الإيرانية.
وظلت ايران بعدها تطور برنامجها النووي في الخفاء الي أن جاء شهر أغسطس 2002 حيث اكتشفت وكالة الطاقة الذرية علي أثار يورانيوم مخصب وموقعين سريين في نطنز واراك بعدها تعهدت ايران بتعليق أنشطتها لتخصيب اليورانيوم ولكن بعدها استمرت ايران في تطوير أنشطتها النووية حتي وصلت عام 2009 الي مستوي تخصيب 20% في نطنز.
وفي هذا التوقيت هددت إسرائيل بشن ضربة وقائية لبرنامج ايران النووي ولكن قامت الولايات المتحدة بإيقاف إسرائيل عن تنفيذ تلك الضربة وفي عام 2015 تم الاتفاق التاريخي 5+1 بعد أزمة استمرت 12 عاما.
لذلك يترقب الجميع فماذا سيحدث في الاجتماع القادم في فيينا يوم 29 نوفمبر القادم لأن المباحثات لن تقتصر علي عدم حصول ايران علي السلاح النووي حيث أن هناك مطالب أخري للولايات المتحدة ودول أوروبا وإسرائيل وهي عدم تطوير ايران للصواريخ البلاسيتية التي تمتلكها ايران حاليا حيث يصل مداها الي حدود اليونان.
ومعني تطويرها بعد ذلك أن تغطي أوروبا بالكامل وتصبح الدول الأوروبية رهينة للصواريخ البلاسيتية الإيرانية وهنا السؤال هل ستوافق إيران علي تحجيم صواريخها البلاسيتية؟؟
ويأتي المطلب الثالث من الولايات المتحدة وأوروبا وهو تحجيم الدور الإيراني في المنطقة ويقصد بها أذرع ايران العسكرية في دول المنطقة فهناك حزب الله في لبنان الذي اصبح يسيطر علي الحياه السياسية والاقتصادية والعسكرية في لبنان بل ويهدد إسرائيل مباشرة ويأتي الذراع الثاني وهو قوات الحشد في العراق صحيح أن عناصره خسرت الانتخابات الأخيرة في العراق لكن قوته العسكرية في العراق لها تأثير كبير في الشارع العراقي ثم يأتي الذراع الثالث العسكري الإيراني في الشرق الأوسط وهو التواجد الإيراني في سوريا سواء بقواته المباشرة من الحرس الثوري الإيراني أو عناصر حزب الله في سوريا ويأتي الذراع العسكري الرابع الإيراني في المنطقة وهو الحوثيين في اليمن التي أصبحت تسيطر علي اليمن الشمالي ومدخل خليج باب المندب الذي يمر عليه 30% من الطاقة العالمية الي أوروبا.
أما الذراع الخامس الإيراني فهي عناصر الحرس الثوري الإيراني التي تسيطر علي خليج هيرمز المسيطر علي وصول الطاقة من الخليج العربي الي اليابان والصين والي أوروبا وخاصة أن السعودية الحليف الرئيسي للولايات المتحدة تقف حاليا عاجزة أمام الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيين تجاه الأراضي السعودية لذلك يصبح التوتر القادم يوم 29 نوفمبر ليس فقط من أجل عدم حصول ايران علي السلاح النووي لكن هناك تقليص قوة الصواريخ البلاسيتية وكبح جماح أذرع ايران العسكرية في المنطقة واعتقد أن ذلك العامل سيكون أكبر مشكلة في المفاوضات القادمة الذي سيبدأ يوم 29 نوفمبر.
وعلي الجانب الآخر ستطلب ايران رفع جميع العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها كذلك تطلب ايران رفع قادتها من قوائم العقوبات وخاصة رفع اسم إبراهيم رئيسي الذي أصبح الرئيس الإيراني الجديد ورفع مكتب المرشد والمرشد نفسه من علي قائمة العقوبات أيضاً كذلك تطلب ايران ضمان عدم عودة الولايات المتحدة الي الخروج من الاتفاق كما حدث من قبل في عهد ترامب كذلك من المتوقع أن تستغل ايران تقدمها النووي في الفترة السابقة للحصول علي مزيد من التنازلات من الولايات المتحدة لكن علي الطرف الآخر سوف تضغط الولايات المتحدة نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها ايران حاليا نتيجة العقوبات الاقتصادية الامريكية حيث لن يتحمل النظام الإيراني لمزيد من الاضطرابات الداخلية.
لكن مطالب أمريكا وأوروبا ستكون مستحيلة أن تقبل بها ايران.. وهذا يدفع الجميع لأن يقول.. هناك الخطة B لكل من ايران والولايات المتحدة.. وهذه لها حسابات أخري يمكن أن نتناولها في مقال آخر.. حيث قد يكون الخيار العسكري أحد الخيارات وهو أمر غير مرغوب فيه من كل الأطراف وعلينا أن ننتظر لكي نعرف إلي أين ستتوجه ايران في المفاوضات القادمة.. لذلك فإن الجميع ينتظر نتائج هذه الاجتماعات القادمة في فيينا والسؤال.. هل ستحقق هذه النتائج الاستقرار في المنطقة؟