تحيرت كثيرا قبل أن افتح هذا الصندوق الأسود ، هل أفتحه وأنا علي قيد الحياة ؟ ..أم أتركه لأحد أبنائي ليفتحه في وقت محدد بعد وفاتي ؟ و إستقر رأيي علي أن أفتحه الآن لسببين.
أولهما أن أن بعض الأشخاص الذين سنتكلم عنهم (وسنرمز لأسمائهم بالحروف الأولي) مازالوا علي قيد الحياه ويرزقون .
والثاني أنني أجنب أبنائي مشاكل بالتشكيك في الأحداث بعد وفاتي ولن يستطيع أحد الجدد أن يشكك في كلامي وأنا علي قيد الحياة ومن السهل إنكار الأحداث بعد وفاتي والتشكيك بها .
بعد دخول الجدد للقطاع وتمكين الدولة لهم ثم تمكمهم بكثرة أعدادهم ودخولهم في عالم صناعة القرار بتأييدهم بعضهم البعض بالأصوات في إنتخابات في الإتحاد والغرف السياحية بدأوا في مرحلة السيطرة علي المسئولين الحكوميين .
بدأوا اولا بالسيطرة علي صغار الموظفين ولا يخفي علي أحد أن الأثرياء لا يجدون صعوبة في ذلك ، ثم السيطرة علي كبار صغار الموظفين ، وشيئا فشيئا بدأوا السيطرة علي الكبار، حتي وصل الأمر أن الوزير المسئول أصبح يحسب الف حساب لهم قبل إصدار القرارات الوزارية المتعلقة بالقطاع إلا ويتم تفصيله بالمقاس ليتوافق مع مصالحهم !
ولما لا ؟ وهم يملكون الكارت الرابح في المعادلة وورقة الضغط التي التي تعمل لها أي حكومة في كثير من دولنا الشرق أوسطية ألف حساب ، البطالة التي هي الكابوس المزعج للدولة ، كم بيتا سيفتحون أو سيقفلون إذا ما قرروا أن يتوسعوا في إستثماراتهم أو يوقفونها وقفا جزئيا أو كليا ، ناهيك عن تعاملهم المتعسف مع العمالة بتخلصهم من الكفاءات وتعيينهم لأقل أصناف العمالة المتوفرة والغير مدربة والتي ترضي بالفتات.
علي مدار إثنتي عشر عاما قضيتها أمينا عاما لغرفة فنادق جنوب سيناء كان عدد فنادق مدينة شرم الشيخ 84 فندق عندما بدأت ، ووصلت إلي 202 فندق يوم تقدمت بإستقالتي عام 2013 ، خضت في هذه الفترة معارك إنشاء و إفتتاح 118 فندقا بتقييمهم و نصحهم وتقديم المشورة الفنية والمهنية.
بل في كثير من الأحيان الإنشائية ، بدون مقابل أو أية إمتيازات ولكن طبقا لتوجه فرع غرفة المنشآت الفندقيه بجنوب سيناء ورئيسها (أ.ب) والذي يذكر له القاصي والداني أنه من أفضل الشخصيات التي تولت العمل العام في القطاع .
بل كان فرع الغرفة في فترتين إنتخابيتين 8 سنوات قضاهما فيها هو أقوي وأكثر الفروع تأثيرا علي مجريات قطاع الفنادق المصرية وبالطبع يعود ذلك للتناغم والتفاهم بين (أ.ب) و السيد الأستاذ (ف.ن) رئيس غرفة المنشآت الفندقيه الأم و أصبح بعدها مساعدا لوزير السياحة (أ.ا) ، وإلي اليوم أنا أدين لثلاثتهم بالفضل كل الفضل في تكوين وتشكيل حياتي المهنية و خبراتي التراكمية.
نعود مرة أخري (للسياحيين الجدد) وتجريفهم و تبويرهم للسياحة المصرية ، بدأوا بمسلسل قتل الكفاءات والقضاء علي العمالة المحترمة (والتي تكلفهم الكثير من المال من وجهة نظرهم) بمساعدة كثير من ضعاف النفوس من العاملين القدامي .
وهنا أخص بالذكر (كثير من شاغلي منصب المدير المالي) وليس (كلهم) حتي أن الهرم الإداري في الفنادق إنقلب رأسا علي عقب وأصبحت الكلمة العليا في الفندق للمدير المالي بدلا من المدير العام، و أصبح المدير العام كملكة إنجلترا في معظم فنادق القطاع الخاص ، ملك لا يحكم !!.
وكيف يحكم وقد وصل الأمر ببعضهم إلي انه لا يستطيع إتخاذ قرار قد يكلف المنشأة 100 جنيه إلا بعد موافقة ومباركة المدير المالي الذي ينفذ سياسات (الأونر) أي المالك أو سمه إن شئت النازي الجديد ، لاحظ أن هذا الأمر تفشي في 90 % من فنادق القطاع الخاص (وليس كلها كما ذكرت) إلا من رحم ربي.
ودعني أختم هذه الحلقة من سلسلة حلقات الصندوق الأسود بقصة مريرة توضح لك كيف أن الوزير حتي ولو كان قويا أو مهنيا كان أضعف من النازيون (السياحيون) الجدد – كل شخصيات هذه القصة مازالت علي قيد الحياة ماعدا الوزير رحمه الله :
كان هناك (سياحي جديد) يدعي (ف.ر) قام ببناء3 فنادق حديثة في أحد المراكز السياحية المستحدثة بشرم الشيخ في أواخر عام 2002 ، وأسرع بالبناء ليفتتح اول هذه الفنادق في فترة الكريسماس في نهاية 2003 –ومن المعروف أو قل من المعلن أن هذا الرجل من تجار المجوهرات و الأحجار الكريمة باهظة الثمن.
كنا نعيش في هذه الفترة عصر رواج نسب الإشغال في شرم الشيخ ، حتي أنني كنت في هذه الفترة من كل عام بدءا من سنة 2000 كنت أحول مكتبي إلي غرفة عمليات لمتابعة نقل السائحين لمدينة دهب بدلا من شرم الممتلئة غرفها وتنسيق المدد التي ستقضيها المجموعات السياحية بدهب لفترات محدودة وعودتهم مرة أخري لشرم وهو مايطلق عليه بعرف المهنة والقطاع overlap
إتفقت أحدي الشركات الكبيرة علي تسكين مجموعات إيطالية الجنسية وهي مجموعات كبيرة العدد في الفندق المذكور بعد إفتتاحه المبدئي –soft opening– بأيام قلائل ، ولاقت هذه المجموعات في الفندق الأمرين من عدم إكتمال تجهيزات الغرف و المفروشات و المستوي المتواضع للطعام و المطاعم و الأهم هو تدني مستوي الخدمة.
مما أدي لأزمة كبيرة للشركة المصرية و الوكيل الأجنبي ووصل الأمر لاحقا لمطالبةالسائحين بإسترداد إجمالي المبالغ التي دفعوها وملاحقة الوكيلين المصري و الأجنبي قضائيا.
وقام صاحب الشركة (خ.ا)– وهو من رعيل السياحيون القدامي- بتقديم الشكاوي لغرف الفنادق والشركات و الإتحاد والوزارة ، رفض الفندق إعادة ولو جزء من كامل تكاليف الإقامة والتي حصل عليها الفندق قبل التسكين.
وأصبح الأمر علي أعتاب النزاع القضائي . تصادف في شهر يناير 2004 أن دعي وزير السياحة (م.ا) رحمه الله بعض المستثمرين السياحيين لحفل مقام في قاعة المؤتمرات بمدينة نصر و أثناء دخول الوزير للقاعة وقيامه بالتحية والتسليم علي الحضور قابل صاحب الفندق (ف.ر) وعاتبه بود علي المشكلة والشكوى التي قدمتها الشركة للوزارة وطلب منه الجلوس مع صاحب الشركة وحل الموضوع بطريقة ودية بدلا من تدخل الوزارة لأن التحقيق سيؤدي الي توقيع الجزاء علي المخطئ وقد يصل الأمر لإغلاق الفندق وهو مالا يحبذه الوزير.
وكانت الصاعقة في رد (السياحي الجديد) وهو ما معناه لا يستطيع أحد أن يغلق فندقي ، انا الوحيد اللي يقدر يقفله وأقعد فيه زي ما با أقعد في عزبتي ومزرعتي.
فأسرها الوزير في نفسه و أشاح بوجهه عنه و أكمل تحيته للحاضرين و إستكمال فعاليات المناسبة.
في فبراير 2004 كان هناك ميعاد لجنة تفتيش من قطاع الرقابة علي الفنادق بالوزارة ، وكعادة هذه اللجان كانت تخرج من تفتيش أي منطقة تنزلها بالعديد من القرارات إما تخفيض درجة فندقية أو منح مهلة لتوفيق الأوضاع أو الغلق الإداري في حالة وجود خطر داهم (ونادرا ما كان يحدث) .
وجرت العادة أن لا تخطر هذه اللجان فرع غرفة الفنادق التابع له المدينة (إلا) فرع جنوب سيناء ، لأن هذا الفرع بالذات له رئيس قوي وحيادي وجهاز إداري لا يقل عنه قوة ولا حيادية ، لو ثبت لأمانة الفرع خطأ الفندق يقف الفرع كله في صف الوزارة من باب الحفاظ علي سمعة المقصد السياحي .
ولو ثبت لأمانة الفرع تجني لجنة التفتيش علي الفندق يقوم الفرع بتقديم التظلم قبل الفندق من باب الحفاظ علي عضو الجمعية العمومية التابع لفرع الغرفة ، وكنا قد أرسينا مبدئا مع رئيس قطاع الرقابة علي الفنادق الأخ العزيز (ا.ح) وقتها ان لا تمر لجنة للتفتيش إلا ويصاحبها عضو من أعضاء مجلس الإدارة أو علي الأقل عضو من الجهاز الإداري لأمانة الفرع .
هذه اللجنة بالتحديد تميزت بأمر من أعجب ما قابلته في حياتي من لجان ، فلأول مرة تتصل السيدة (ه.ل) مديرة مكتب الوزير برئيس الفرع (ا.ب) لإخطاره بضرورة وجوده في شرم الشيخ بناءا علي طلب شخصي من الوزير وليس إجبارا أو فرضا وإنما رجاءا.
الأغرب ان رئيس قطاع الرقابة (ا. ح) في مكالمته المعتادة معي قبل اللجنة بيومين لإخطاري بأسماء المفتشين و مساعديهم و أعدادهم و خط سيرهم و أقوم أنا بإخطاره بإسم عضو مجلس الإدارة المرافق لكل مجموعة أو عضو جهاز أمانة الفرع ، أكد علي في بداية مكالمته انه سيترأس هذه اللجنة ، و أنه سيكون وحده في مجموعة تشمل رئيس الفرع (ا.ب) و نائب رئيس الفرع (ع.ع.ا) وانا شخصيا وان مهمتنا ستقتصر علي التفتيش علي فندق واحد فقط لن يذكر اسمه وإنما سأعرفه يوم التفتيش ، وشدد علي أن ننتقل بسيارتي الشخصية وهي السيارة الوحيدة في جنوب سيناء التي لا يعترضها أي من أفراد أمن فنادق المحافظة وبالتالي لن يتم إخطار إدارة الفندق بالمتواجدين في السيارة ونصا قال (كده حا نطب عليهم) ، وقتها إستشعرت أن هذا الفندق متخذ قرارا بإغلاقه وأن تشكيل لجنة (الغلق) هذه ما هو إلا (شرعنة) قرار الإغلاق اي إضفاء الشرعية عليه
وبتباحث الأمر مع رئيس الفرع ونائبه قادنا حدسنا الي أن الفندق المقصود هو الفندق المملوك لصاحب القصة الشهيرة (ف.ر). وقد كان !.
فبعد لقائنا بفندق هلنان مارينا شرم الذي تقيم فيه جميع لجان الوزارة و إنطلاق اللجان الأربع المتفق علي تشكيلها لبدء مهامهم بقيت لجنتنا التي أطلق عليها مجازا (أم اللجان- الكوماندوز) جلسنا نحن الأربعة نشرب القهوه وتم إخطارنا بضرورة إغلاق هذا الفندق و إننا لن نجد صعوبة في هذا لأنه تم توزيع قائمة مصورة بجميع أرقام الغرف والنواقص بها من أجهزة تليفزيون أو ميني بار أو كابينة شاور أو مخدات إضافية أو بطاطين…. إلخ
كانت القضية محبوكة الأطراف ولا وجه للدفاع أو الإستئناف أو النقض، وبعد تحركنا بسيارتي ووصلنا تقريبا لمنتصف المسافه للفندق جاء إتصال هاتفي للسيد (ا.ح) وبعد عدة كلمات مع المتصلة أشار لي بيده بأن أتوقف ، كانت المتصلة هي السيدة (ل.ح) وكيل أول الوزارة والمعروفة بإسم المرأة الحديدية، وكلما قالت له عدة كلمات يرد عليها قائلا إزاي؟ فتقول له كلمات أخري فيرد عليها “مش ممكن – هي وصلت لكده” ، وإستمرت المكالمة علي هذه الوتيرة أغلق هاتفه قائلا لنا “كما كنت – تم إلغاء المهمة– شوفوا بقي حا تغدونا فين النهاردة)
في تراس فندق (ل.ف) حيث يقع مكتبي ويملكه رئيس الفرع شرح لنا رئيس القطاع أن خبر الإغلاق قد تسرب للمستثمر (ف.ر) من داخل الوزارة، فقامت زوجته بالإتصال ب (الهانم الكبيرة) وكانت من صديقاتها المقربات، فقامت سكرتارية مكتب الهانم بالإتصال بالوزير شخصيا و حذرته من إتخاذ أي إجراء منفرد تجاه هذا المستثمر تحديدا دون الرجوع للهانم أيا ما كانت هذه القرارات سواءا سلبية أم إيجابية!!!