أعلم بأني أضع يدي فى جحر مملوء بالأفاعي وربما ادخل عرين الأسد ولكن قد بلغ السيل الرُبا .
اول مرة أقرأ كلمة (تجريف) كانت في منتصف السبعينيات من القرن الماضي عندما كثرت ظاهرة تبوير الأراضي الزراعيه تمهيدا لدخولها في كردونات المباني بدلتا مصر. ربما تعاطفت وقتها مع خطورة التجريف ولكن كوني أحد سكان المدن لم انخرط في مساوئ هذه الظاهرة و سلبية توابعها.
اليوم وبعد 45 عاما امضيت منها 40 عاما في العمل بقطاع السياحة وانا علي وشك التقاعد (زهقا و كمدا) أدركت تماما خطورة التجريف والتبوير ليس فقط في الأراضي الزراعيه و إنما في كثير من الأعمال بالقطاعات المختلفة.
وحيث انني لا أفهم الا في السياحة ولا ناقة لي ولا جمل في غيرها فإني اليوم أبث همي و حزني الي الله فلم يعد هناك غيره هو الملاذ والحل لكل ما أستعصي وألجأ لإيماني المطلق بأن الله كما أعزنا بالبلاء هو القادر أن يٌعجزنا بالدواء.
مخطئ من يظن ان السياحة قد تهاوت في مصر بعد أحداث 2011 ، ومخطئ أيضا من يظن أن بداية إنحدارها كان بعد الأزمة الإقتصادية العالمية التي بدأت بوادرها في نهايات 2008 وتفاقمها في2009 . ولكن إنحدار السياحة بدأ قبل ذلك بكثير ولعلك تراني مخرفا إذا قلت لك أن إنحدار السياحة بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما تمكنت من مصر سياسة الإنفتاح الإقتصادي التي بدأها السادات بعد حرب أكتوبر للتحول إلي النظام الرأسمالي من النظام الإشتراكي الذي سيطر بشكل أو بآخر علي عصر عبد الناصر. ولست مؤهلا لأن أقيم الإنفتاح ومزاياه و عيوبه ولكني أعلم أن الإنفتاح تطلب إصدار العديد من التشريعات التي تنظم قواعد العمل في كثير من القطاعات و الحفاظ عليها وعلي حقوق الدولة و حقوق المستثمر و حقوق العمالة بهذه القطاعات وبالطبع منع الاحتكار في هذه القطاعات. بل وصل الأمر لإنتقاء المستثمر ليس فقط بناءا علي ملائته المالية ، وإنما أيضا كفائته المهنية و سوابق أعماله ونجاحاته في تجارب مماثلة .
إلا قطاع السياحة ، كان الإنفتاح فيها (سداح مداح) علي رأي الكاتب أحمد بهاء الدين، ببسيط العبارة كل من كان يملك المال سُمح له بترخيص مابين فنادق و شركات ، وزاد في التوسع الغير مدروس سياسة ال (خد وهات) ونشأ من وقتها جيل جديد من المستثمرين (المريشين) والذين كانوا في الأصل تجار و مقاولين وموردين وسماسرة و قومسيونجية و معلمين . ولهم مني جميعا كل إحترام فقد عملوا و إجتهدوا فيما يعملون و يفهمون وإقتحموا مجالا جديدا لعلهم يزدادون و لأموالهم يستثمرون وللمجتمع قد يصبحون نجوما مشهورون.
كان هذا الجيل غريبا علي أبناء القطاع و مستثمريه، كانوا غرباء ولكنهم أذكياء ، مشوا في ركاب أبناء القطاع المستثمرين وكانوا لهم تابعين و بالولاء مدينين ولقواعد اللعبة متعلمين دؤوبين وفي أغلب الأوقات وخاصة في الأزمات تابعين و لقرلرات مستثمري القطاع مؤيدين و مساندين .
إلي هنا وضعنا يدنا علي البداية الحقيقية لعصر ما قبل التجريف ، والي الجزء القادم من هذه القصة الحزينة وفيها ستعرف بداية مرحلة (التمكن والتمكين) لو كان في العمر بقية .