تتزين محافظة جنوب سيناء بالعديد من المواقع الاثرية ذات الطابع الديني المسيحي مثل: بقايا دير وادي الطور الموجود بمدينة الطور وهي العاصمة الادارية الحالية للمحافظة ودير وكنيسة القديس سان چورچ وبعض القلايا البيزنطية القديمة التي تعود الي أوئل العهد المسيحي؛ ومنطقة وادي فيران بمحتوياتها الاثرية الفريدة من كنائس وقلايا يرجع بعضها الي القرن الخامس الميلادي و كذلك دير السبع بنات الشهير وهو تابع لإدارة دير سانت كانرين؛ علاوة علي منطقة وادي الدير والتي تشمل دير سانت كاترين و جبل موسي و غيرها من بقايا الاديرة والقلايا القديمة التي ترجع الي اوائل العهد المسيحي أيضا.
وبتعاقب الحقب الزمنية المختلفة أحتضنت جنوب سيناء أيضًا بعض المواقع الاثرية ذات الطابع الديني الإسلامي مثل: قلاع علي طريق او مسار طريق الحج المصري القديم والذي كان يمر بوسط سيناء، واخري علي ساحل خليج السويس او العقبة للسيطرة علي المياة الاقليمية اثناء الحروب الصليبية او تأمين طرق التجارة البحرية (قلعة الجندي/الباشا/راس سدر، وقلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون).
أما عن مسار الطريق القديم للحجاج المسلمين فيبدأ من بركة الحاج وهي تبعد حوالي 6 كم عن منطقة المرج الحالية حيث يتجمع فيها الحجاج المسلمين من مصر وبعض الدول الجوار ثم تسير القافلة محملة بكسوة الكعبة المشرفة وصولا الي رأس خليج السويس ومنها الي وسط سيناء حيث تعبر محطات عديدة مثل منطقة القباب و وادي الحاج وغيرها وصولا الي قلعة مدينة نخل ثم سيرا من خلال بعض المحطات الاخري وصولا الي قلعة العقبة، علي مسار هذا الطريق كان يوفر ملوك وسلاطين مصر الدعم للقوافل من أبراج حماية وتوفير مصادر مياة مثل الآبار وتمهيد الطرق الوعره وغيرها من السبل حتي تيسر علي القافلة رحلتها، والمسافة من المرج الي العقبة تعتبر الربع الاول من مسار هذا الطريق والذي كان ربما يُقطع وصولًا الي الأراضي المقدسة خلال تسع ايام سيرا.
الجانب الحضاري والتسامح الديني
1- ظل حجاج بيت الله الحرام من مسلمين مصر والدول الجوار يستخدمون الطريق البري المعروف باسم طريق الحج المصري القديم بوسط سيناء حتي تقريبا عام 1885 م حيث اُستبدل الحج البري بالبحري بحيث تحمل المراكب الحجاج المسلمين من ميناء السويس الي ميناء الطور ومن ثم عبور مياه خليج السويس للوصول الي الجانب الاخر وهو يابس الأراضي السعودية و يستكملون طريقهم برا وصولا الي مكة المكرمة، ويوجد الي الان مبني كان مخصص للحجر الصحي بمدينة الطور تم انشاؤه في القرن 19 للعائدين من مكة المكرمة للحد من انتشار الأوبئة (المحجر الصحي بالطور): تم تأسيسه في عام 1275هـ/1858م أثناء حكم والي مصر محمد سعيد باشا، واستكمل في عهد الخديوي محمد توفيق باشا، لكنه لم يجهز بالنظام الحديث والمعدات الصحية إلا في عام 1311هـ/1893م من حكم خديوي مصر عباس حلمي الثاني بإشراف الدكتور روفر رئيس مجلس الصحة البحرية والكورنتينات بمصر في ذلك الوقت.
2- مسار طريق الحج الأوروبي المسيحي القديم؛ حيث وصول الحجاج المسيحيين الأوروبين الي ميناء الأسكندرية ثم التنقل داخل الأراضي المصرية وصولا الي ميناء السويس حيث تنقلهم المراكب بعد ذلك الي ميناء الطور، ثم من مفارق مدينة الطور بعبور بعض الأودية يتوجهون الي وادي فيران الذي يبعد حوالي 50 كم والذي يحتوي علي الاثار البيزنطية الفريدة سالفة الذكر، ثم التوجه بعد ذلك الي دير سانت كاترين والمبيت بمدينة سانت كاترين التي تبعد حوالي 60 كم عن وادي فيران و زيارة جبل موسي، ويختتم البرنامج برحلة الي مدينة القدس وهي مقصد الحجاج المسيحيين في العالم.
3- في بعض الأوقات كان الحجاج المسلمين والمسيحيين يستخدمون نفس المراكب لنقلهم من ميناء السويس الي ميناء الطور أثناء سيرهم الي الحجيج؛ فنجد في مدينة الطور جبل يسمي بجبل “الناقوس” وجد عليه نقوش تذكارية بلغات مختلفة و تواريخ مختلفة لحجاج مسلمين و مسيحيين.
اَي تسامح ديني هذا شهدته أرض مصر و جنوب سيناء – حتي انه يوجد بمدينة الطور منطقة يطلق عليها الكيلاني؛ وهي في الأصل “الچيلاني” وهو حاج مغربي مات أثناء ذهابه الي الحج و دفن بقام يحمل اسمه و باقٍ الي الان – وأيضا كان هناك بعض الحجاج المسلمين يذهبون لزيارة دير سانت كاترين و دليلا علي ذلك اسماءهم التي دونوها علي محراب الجامع الفاطمي الذي احتضنته أسوار دير سانت كاترين – و ميثاق الأمان الذي أعطاه نبي الاسلام الي رهبان دير سانت كاترين “العهدة المحمدية” التي يحتفظ رهبان الدير بنسخه طبق الأصل منها بمعرض الايقونات و المقتنيات الخاصة بالدير، وقد قام السلطان سليم الاول بنقل النسخة الأصلية منها الي الاستانه أثناء فترة حكمه وترك هذه النسخة للرهبان.
هكذا كانت ومازالت مصر تقدم للعالم آيات من التسامح الديني والمواطنة و رسائل السلام.