حقيقة مرة ومؤلمة أدركتها مؤخرا بعد آن تقدمت فى السن وسرقت مهنة الصحافة سنوات العمر يوما بعد يوم وشهرا بعد شهرا وسنة بعد سنة وهى ان الصحفيين وخصوصا خلال السنوات العشر الأخيرة تحولوا إلى كتائب من العبيد فى الطابور الطويل للبحث عن لقمة العيش بعد أن داست المهنة بلا رحمة على المتميزين واعطتهم ظهرها وفتحت احضانها لانصاف الموهوبين وإعداد كبيرة من المنافقين ولاعقى أحذية قيادات الصحف وتملق من بيدهم قرار تعيين القائمين على الصحف القومية والخاصة على حد سواء.
مهنة بلا قلب فى زمن بلا عقل
مهنة بلا قلب فى زمن بلا عقل حرمتنا من التمتع باطفالنا صغارا ومن الجلوس بين دفء بيوتنا بحثا عن لقمة العيش وحولتنا إلى عبيد يسوقوننا إلى مضمار النخاسة فى الزمن الصعب لإيجاد عمل فى مكان واثنين وثلاثة للعيش على حد الكفاف..
الكثير من الصحفيين الشرفاء حرموا من معظم متع الحياة لا لشئ سوى تأمين لقمة العيش للاسرة لأنهم عاشوا بشرف لم بدخلوا سوق البيزنس او العمولات ولم يمارسوا مهنة المشهلاتى ولم يكسبوا من حرام ولم يرتموا فى أحضان اى فاسد او تحت اقدامه للحصول على شلوت من سعادته يدفعهم للأمام..
لم يعملوا مخبرين او بكتبوا تقاريرا فى الزملاء للحصول على ترقية او منصب او ظرف به أموال او توصية بالحصول على شقة او سيارة لزوم الوجاهة لم ينسوا اصولهم وجذورهم واهلهم وما زلوا يفتخرون بهم لأنهم ربوهم على الهيبة وعلى العيشة بقيامة ولما حد يجيى بتنطط عليهم بيقولوا بالسلامة فهؤلاء تربوا على الترفع عن الصغائر والحذر كل الحذر من المال الحرام لان من يستصيغه مرة لن يشبع من غيره طوال حياته..
جيلا كاملا من المشوهين والمظلومين
لم نعط ظهرنا لاحد. ولم نخلف وعدا ولم نخن عهدا ولم نحمل ضغينة لزملاء المهنة.. جودنا بالفصل على الجميع حينما كنا نملك نواصى المهنة وصبرنا على قسوة المتنطعين حينما تحكموا فينا.. حفظنا كرامتنا امام المتجبربن فى عنفوان قوتهم ولم نشمت فيهم حينما خذلهم من كبروهم واستفادوا منهم واحتلوا اماكنهم.. لم ننحنى لاحد ولم ننافق احد ولم نتملق احد من أجل لقمة العيش.
ننام ونصحو على هم الشغل وظروفه القاسية وتحكم وتسلط وتجبر من بيدهم امر المهنة رغم انهم حصلوا على مناصبهم فى غفلة من الزمن وتخيلوا وهما وزورا وبهتانا انهم هم من يملكون مفاتيح خزائن الله ويقسمون الأرزاق فيمنحون هذا ويحرمون هذا ويجزلون العطاء لهذا ويعيثون فى الأرض فسادا وافسادا حتى خلقوا جيلا كاملا من المشوهين والمظلومين..
يفضلون من خاصمته الكفاءة ويبعدون من تسلح بالعلم والخبرة لأنهم لا يريدون من هم افضل.. عاشوا حياتهم المهنية على بث روح الفرقة بين فريق العمل الذى وضعه الزمن والظروف القاسية تحت تصرفهم معنقدين انهم إرث ال إليهم يتحكمون فيه كيفما يشاءون ووقتما يشاءون وحسبما يشاءون..
نشروا الظلم والمرارة بين العاملين تحت امرتهم بسبب تقريب من لا يملك اى كفاءة واجزلوا له العطاء.. وتجبروا على المتميزين وحرموهم من أبسط حقوقهم وزادوا الطين بلة باصرارهم على التقليل من شأنهم ومن قيمة اى عمل يقومون به نكاية فى فيهم ورغبة فى اشعارهم بانهم لا يضيفون للمكان اى قيمة وفى نفس الوقت للتأكيد على اختياراتهم الخاطئة ودعمها من منطلق التجبر وأنهم منزهون عن الخطأ والشطط ولاصباغ الشرعية على سوء اختياراتهم.
تكريس العبودية
ولتكريس استمرار العبودية للقمة العيش فى الوسط الصحفى سيطر الدخلاء والمتطفلون على مفاصل المهنة وخصوصا خلال العشرية السوداء الأخيرة وهى الفترة التى تزايد فيها عدد المواقع الإلكترونية واصبحت المهنة مرتعا لكل من هب ودب ولم يبق اى نوع من العزاء لمن افنوا عمرهم فى دهاليز بلاط صاحبة الجلالة.
وشهدت الفترة الأخيرة مجموعة من الأحداث الصادمة لعدد كبير من الصحفيين وخصوصا الشباب وجيل الوسط ممكن وضعهم حظهم العاثر تحت إمرة وتصرف كتائب عديمى الكفاءة والإنسانية وفقد عدد كبير من الصحفيين حياتهم وماتوا كمدا اما بسبب حجم الظلم الذى تعرضوا له فاثورهم الجلطات ونزيف المخ لأنهم لم يتحملوا هذا الظلم او بسبب تعرضهم للإصابة بوباء كورونا القاتل واصرارهم على العمل فى ظروف بالغة السوء حفاظآ على الحد الأدنى من الدخل الذين يحصلون عليه من أولياء النعمة الجدد وملاك خزائن الصحف على اختلاف انتماءاتها او لاحساسهم بالقهر والعجز بعد قيام بعض المؤسسات بتسربح أعداد كبيرة ممن افنوا عمرهم فى الصحف واصبحوا لا يتقنون مهنة غير الصحافة التى باتت اشبه ببركان ثائر يلقى حممه الملتهبة فى وجه من أحب المهنة وعشقها بخلاف المئات ممن اغلقت مؤسساتهم واصبحوا من المشردين فى الأرض لا يملكون راتبا يسد رمق أسرهم التى تحتاج إلى نفقات كبيرة بعد أن كبر أولادهم واصبحوا فى مراحل التعليم المتقدمة وهم يواجهون تكاليف المعيشة الرهيبة اما ببدل نقابة الصحفيين اقل رئيس تحرير فى عزومة مع مجموعة من أصدقائه او الانضمام إلى خانة المتسولين والحصول على إعانة النقابة.
وزير مالية الأسرة معدوم الدخل
الاسوأ فى الأمر أن عددا كبير من ضحايا الظلم فى بلاط صاحبة الجلالة اما غير مؤمن عليه أو تأميناته متوقفة من سنوات طويلة وهنا تجد أسرة الضحية نفسها فى ورطة كبير بعد رحيل وزير ماليتها المعدم لأنها تكتشف انه لن يحصل على معاش او سيحصل على معاش ضعيف جدا لا يكفى حتى لدفع فاتورة الكهرباء للشقة التى يعيشون فيها.
معظم المؤسسات الصحفية تعانى خللا رهيبا فى الرواتب لانه باى منطق يحصل صحفيون على عشرات الالاف من الجنيهات شهريا وهم الاقل خبرة وكفاءة بينهم زملاؤهم الاكفأ والأكثر خبرة والاعلي تعليما لا يحصلون على 10% او 15 ٪ من هذه الرواتب التى تصرف لمن يراهم القائمون على الأمر فلتة العصر والأوان رغم ان أصحاب الرواتب الفلكية يحصلون عليها بواقع 10 ٪ لما يقدمون من عمل و20 ٪ مقابل نفاق وتملق و20 ٪ مقابل الصوت العالى فى إدارة العمل و50 ٪ مقابل إيذاء زملائهم الذين وضعهم حظهم العاثر فى طريق أصحاب الحظوة داخل المؤسسات الصحفية.
الشللية تحكم الوسط الصحفى
الاسوأ فى الأمر أن الشللية تحكم الوسط الصحفى وازدادات اكثر خلال العشرية السوداء الأخيرة لانه من سوء الحظ ان المتحكمين فى الصحف هم المسيطرون على الفصائيات وبالتالي بات المحظيون فى الصحف هم المحظيون فى الفصائيات وأصبح كل مسئول ينقل شلته معه من الصحف إلى الفضائية التى يديرها فأصبح سوق العمل موصدا بالصبة والمفتاح فى وجه اى شخص خارج الشلة ليتواصل شقاء عبيد لقمة العيش وكان غالبية المتحكمين فى الأمر يطاردهم ماضيهم المخزى حينما كانوا فى بداية حياتهم عبيدا لاسياد الزمن الغابر من أجل البحث عن فرصة للحياة يعوضون بها ضعف امكانياتهم المهنية ولكن عندما دار الزمان واصبحوا هم الغزاة الجدد لبلاط صاحبة الجلالة كان قرارهم استعباد الجميع لتعويض كل مركبات النقص والتشوهات النفسية والاحساس القديم بالدونية الذى يطاردهم منذ بدايات حياتهم فى المهنة.
كل الصحفيين الشرفاء مدحت أمام
هذا المقال ليس موجها لاحد حتى لا يتخيل من على راسه بطحة انه هو المقصود به وما اكثر أصحاب البطحات ولكنه بسبب فاجعة وفاة الزميل مدحت أمام رئيس تحرير اخبار الصين وانا لا أعرفه بشكل شخصى ولكن ما سرده الكثير من الزملاء عن قصته هو من أوحى بالفكرة وما اكثر الصحفيين الذين فى قصصهم مأسى افجع من فاجعة مدحت أمام فكل الصحفيين الشرفاء مدحت أمام رحمه ورحمنا الله.
وختاما اقول لكل متسلط ومتجبر وظالم فى هذا الوسط الردئ عد إلى رشدك فالحياة قصيرة ولن تمهلك للتمتع بما جمعته من حرام وظلم وقهر وقسوة على الناس فالمناصب زائلة وحب واحترام وتقدير الناس باقى ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك ولن تنفعك شلتك وسيكونون اول المتنصلين والمتبرئين منك ومن أفعالك ولن يذكروا لك معروف صنعته معهم فى يوم من أيام بل سيصبون عليك اللعنات صباح مساء
﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾،. اللهم بلغت اللهم فاشهد.