ولما كانت الحياة دروس كتبت بعض الدروس …. و ليس اي دروس ..الدرس (9)
عندما يحضر الأولاد من الخارج (مدرسة او جامعة او الشغل) يتجهون نحو اليسار إلى المطبخ بحثاً عن أمهم، ولا يتجهون حيث اتواجد بحثاً عنّي و كأني شفاف، رغم أني داخل المنزل و قد اكون جالسا قريبا جدا،
لا أتوقّف كثيراً حول هذا «التطنيش»، أحياناً أسمع أمهم تقول لهم: «سلمتوا على أبوكم؟.. روحوا سلموا».. بين هذا الطلب وتنفيذه يستغرق الأمر من ربع إلى نصف ساعة، ولا أتوقف كثيراً حول هذا «التطنيش» أيضاً ..
فالدنيا زحمة، والطرق المؤدية من المطبخ إلى تشهد ازدحاماً مرورياً كبيراً، وقد يستغرق منهم الوصول إليّ وقتاً أطول..
في نهاية المطاف يصلون نحوي فرادى و سلام وتحية باردة
الاسبوع الماضي، وفور وصولي من العمل اكبر الأبناء كان في غرفته خرجت بالصدفة فوجدته يقف في المطبخ مع والدته و بيقولها شيئاً ما، وعندما رآني توقف ، فأكملت طريقي دون انتباه..
وبعد عدة دقائق جلسنا نتناول الغداء فأخبرتني زوجتي انه زعلان عشان …. مش عاوز احكي خليها سر… و لكنه انكر فما كان مني الا ان حققت له طلبه و المرة دي كنت غاضب لأني خيرته بين امرين و لكنه اختار الاسوء
أنا لا أتوقف كثيراً حول هذا «التمييز العنصري»، صحيح أن الشوكولاتة اللي يتبادلوها لذيذة جداً، ونفسي فيها إلى هذه اللحظة، لكنني لا أنزعج من ميلهم كل الميل نحو أمهم، فقد كنا مثلهم وأكثر و لكني كنت مرتبط بأبي جدا ،
و الان وقفة مع الحقيقة …رغم كد الأب وسفره وتعبه وحنانه و تفانيه، إلا أن الميل يكون نحو الأم، وهذه طبيعة فطرية لا نتحكّم فيها!
الغريب أن الأولاد لا يكتشفون حبّهم الجارف لآبائهم إلا متأخراً، إما بعد الرحيل، وإما بعد المرض وفقدان الشهية للحياة ..!!
وهذا حب متأخر كثيراً حسب توقيت الأبوة..
اليوم كلما عجزت عن قرار، أو ضاقت عليّ الحياة، أو ترددت في حسم موضوع .. تنهّدت وقلت: « أين أنت يا حاج»..
لو أعرف أن العمر قصير إلى هذا الحد، لكنت أكثر قرباً من ابي
نحن نعرف قيمة الملح عندما نفقده في الطعام ، وقيمة الأب عندما يموت ويشغر مكان جلوسه في البيت ،،،،
إذ عندما يموت يفتقد الأبناء وجود ذلك البطل في حياتهم الذي كان يقودهم بثبات إلى بر الأمان ،،،،،
فالأسرة كلها مع الأب في رحلة الحياة كراكبي قطار في سفر طويل،،،،
لايعرفون قيمة قائد القطار إلا عندما يتعطل بهم ، ويبدأ قائده في التفاني لإصلاحه وإعادة تشغيله رغم ضخامته ،،،،،.
الأب وحده هو الذي لا يحسد ابنه على موهبته وتفوقه، بل بتفوقه يتباهى ويفرح ويفاخر ،،،،،،،،
والأب وحده هو الذي يخفي أخطاء إبنه ، ويغفرها ،،،،، وينساها،،،،،،
والأب وحده هو الذي يتمنى أن يكون ابنه أفضل منه في حياته ،،،،،،،
تأنيب الأب لابنه مؤلم في حينه، لكنه دواء شافي حلو المذاق بعد التعلم منه والتماثل للشفاء والاستقامة ،،،،
تأنيب الأب يصدر من جوار قلبه لامن جدار قلبه،،،،، إذ يتألم وهو يؤنب ابنه.
قلب الأب هبة الله الرائعة لأبنائه،،،،،،،
أخيراً أقول:
الأم تحب من كل قلبها ،،،،
والأب يحب بكل قدراته،،،،،،
(رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
واصلح لنا ذرياتنا ونياتنا.