انتبهتُ ذات يوم وأنا أقود سيارتي إلى واحدة من القواعد النفسية والأخلاقية العامة:
إذا حجزتني سيارة بطيئة أمامي، قلت: يا له من بليد! وإذا تجاوزتني سيارة مسرعة، قلت: يا له من متهور!
إننا نعتبر أنفسنا “النموذج” الذي يُقاس عليه سائر الناس؛ فمن زاد علينا فهو من أهل “الإفراط”، ومن نقص عنا فهو من أهل “التفريط”.
فإذا وجدتَ من ينفق إنفاقك فهو معتدل كريم، فإن زاد فهو مسرف، وإن نقص فهو بخيل…
ومَن يملك جرأتك فهو عاقل، فإذا زاد فهو متهور وإذا نقص فهو جبان…
ولا نكتفي بهذا النهج في أمور الدنيا بل نوسّعه حتى يشمل أمور الدين؛ فمَن عبد عبادتنا فهو من أهل التقوى، ومن كان دونها فهو مقصر، ومن زاد عليها فهو متزمّت.
وبما أننا جميعًا نتغير بين وقت ووقت وبين عمر وعمر، فإن هذا المقياس يتغير باستمرار.
فربما مَرّ علينا زمان نصلي الفرض دون السنّة، فنحسُّ في قرارة أنفسنا بالأسف على مَن يفوّت الصلاة ونراه مقصرًا، لكننا لا نرى بأسًا في الذين يقتصرونها على الفرض، فإذا تفضّل الله علينا وصرنا من المتنفّلين نسينا أننا لم نكن منهم، ونظرنا إلى من لا يتنفّلون بعين الزِّراية أو الشفقة.
*الخلاصة*:
إياك أن تظن أن مقياس الصواب في الدنيا ومقياس الصلاح في الدين هو الحالة التي أنت عليها والتي أنت راضٍ عنها، فرُبّ وقتٍ مضى رضيتَ فيه من نفسك ما لا ترضاه اليوم من غيرك من الناس. فدع الخلق للخالق، واعمل على إصلاح ذاتك.