العمل الشعرى الملحمى لــ”الدكتور زين الشّيخ “عوض حدوتة شعرية”، يمثل ملحمة شعريّة بشكل حداثيّ يوظّف الشّعر الشّعبيّ المصريّ؛ لينفذ إلى ضمير كلّ مصريّ ووجدانه، ويغدو العمل هذا -في الوقت نفسه- ملحمة شعريّة محفوظة على مسلّة الأقدار المصريّة؛ إذ هو سليل حضارة اعتادتْ على أن تحفظ أفكارها وتجاربها وآمالها وتاريخها وعلمها وآدابها وأمانيها في مسلّات ومدوّنات ومصنّفات تصارع الموت، وتبغي الخلود.
في هذه المساحة بالذّات تتجلّى فلسفة هذا العمل الذي يحمل اسم “عوض” الذي يكون معادلاً موضوعيّاً للعطاء والنّجاح والتّوفيق في حال أحسَنَ الإنسان العمل المنطلق من توكّل مخلص صادق، وعمل مجتهد. عندها سيكون العوض موفوراً للفرد والمجتمع والأمّة والإنسانيّة.
ورغم أن العمل يمثل دفقة شعوريّة ملحّة أملتْ نفسها وفق مخزون المبدع وأحاسيسه وتراثه الفكريّ والإبداعيّ، لاسيما الشّعبيّ منه، إلاّ أنّني أكاد أحدس أنّه تأثّر بمحرّكات التّشكيل والانفعال والتّعبير في مجتمعه المصريّ، وسمح لنفسه بأن يقدّم تجربته ورؤيته وفكره بطريقة “أبناء البلد المصريين الجدعان” الذين لا يتكلّمون إلاّ الكلام الموزون الصّادر عن تجربة ناضجة، ورؤية عميقة، وحميّة مخلصة تجاه الإنسان والوطن والمقدّرات الفرديّة والجمعيّة كاملة.
إنها قصة شّعريّة تلعب على أوتار التّلقّي والانفعال والشّعور والتّجاوب، وتظلّ محفورة في وجدان من يسمعها؛ فالإنسان المصريّ يحتفظ بشدّة بخاصيّة الإنسان الفطرى الذي يحبّ السّرد والحكي والرّوايات المنقولة.
“عوض” وقصّته صورة من صورة الإنسان المصريّ، وصور وطنه، كما هي رحلة في وجدانيّات هذه الإنسان وأفكاره وأحاسيسه وأسئلته الصّغرى والكبرى، وهي أسئلة تحيل جميعها إلى المبدع د. زين الشّيخ الذي يتوارى وراء هذه الشّخصيّة وغيرها من الشّخصيّات التي يستحضرها في ملحمته ليمرّر لنا ما يريد تمريره بكلّ ذكاء ممزوج بالحياديّة المصنوعة. ويتركنا حيارى مشدوهين أمام أسئلته وتساؤلاته وقلقه الوجوديّ ومشاعره الفيّاضة وأفكاره الفيّاضة.
لي أن أقول بصدق أنّ هذا العمل في عميقه هو سياحة ناسك متأمّل في أرض اللّه وخلقه، وهو نقاش عميق لأسئلة الوجود والحياة، وهو وقفة قلقة حائرة أمام تلك الأسئلة، وهو تطواف وراء أفكار مضينة تلحّ بقهريتها على السّؤال الإنسانيّ المشروع والمكرور.
“تأمّلات عوض” ترجعه دائماً من حيث بدأ، أيّ من الوطن الذي يكنّ له المحبّة الكبرى، كما تقدّم لنا تصويراً لواقعه، وتحليلاً بعين خبيرة لما يحدث فيه من أحداث مؤلمة وموجعة.
من يرافق عوضاً في رحلته الملحميّة هذه يقابل الكثير من الوجوه المصريّة، ويسمع حكاياتها وأحلامها وآمالها وانكساراتها، ويناقش الكثير من قضايا الإنسان والوطن المصريّ، ويأخذ نصيبه من همومه، ويدرس مكوّناته وأفراده، ويحلّل مشاكله ومعطياته وحاجاته وقدراته، ويعاني من بؤر الفساد والإفساد والضّعف والإضعفاف فيه، ويجادل أفكاره وأفكار غيره، ويوازن بينها، ويتدارس اختلافاتها ومعطياتهاـ
وأخيراً ينتصر للإنسان والوطن، ويجزم بأنّ هناك درب واحد نحو المستقبل والخير والفرج، وهو درب العلم والعمل، وبهما تُختم هذه الملحمة التي تغدو خاتمتها أيقونة للوجود والحياة، وهي أيقونة: اعلمْ واعملْ
ملحمّة التّبصّر هذه تؤول بالرّؤى جميعها إلى حقيقة واحدة، وهي أنّ البناء للإنسان والأوطان لا يكون إلاّ ببناء العلم المنتج الإيجابيّ الذي يخلق عملاً بناءً مبدعاً.
عزيزي القارئ. أنت أمام،، عوض،، شخصية عاشت كل الأزمنة والعصور منذ بدء الخليقة وحتي الآن،رصدها لنا صاحبنا الأديب د. زين الشيخ، بدون رتوش تجميلية،أحيانا بأسلوب سردي جذاب،وأحيانا بصور شعرية خلابة،وأحيانا أخري بحوار عميق ينتهي غالبا بانتصار المظلوم الذي يعوضه دائمآ رب العزة. ،، وما كان ربك بظلام للعبيد،، صدق الله العظيم
لا ينس ابدا أن يذكر ناسه وأهله بامجاد وحضارات أجدادهم العظماء وفضلهم علي البشرية جمعاء.
وعلى الرغم من اختياره ل،،عوض،، ليكون عنوانا لملحمة الحياة، فقد أختار أن يختمها بعدم الاتكال الكامل علي العوض،رغم إيمانه الكامل به، فأنهاها بتوصية، رغم بساطتها فهي في غاية الأهمية..أن العلم والعمل هما طوق النجاة… هما بداية الطريق ومنتهاه.