” الوقاية خير من العلاج ” مقولة لها عمر طويل تناقلتها الأجيال وعبرت الحدود والدول والمحيطات والبحور .. ولكن ربما كلنا لم نعرف معناها الحقيقى وكيفية تطبيقها بشكل واضح وصريح إلا مع ظهور جائحة كورونا المستجد .
والذى ربما لايعرفه الكثير من الناس ، أن هذه المقولة ربما تتحدث عن المرض والوقاية منه لعدم تناقله وأنتشاره ، ولكنها فى الحقيقة هى مقولة أمنية أصيلة .. وهنا الوقاية تعنى الحذر والحيطة أو المرض كما يصفه البعض ، أما العلاج فلن يكون له وجود طالما إلتزمنا بالجزء الأول وهو ” الوقاية “.
وتتخذ هذا المعنى من الناحية الأمنية أشكالاً كثيرة فى مقدمتها تأمين السكن والإحتراس من سرقته.. وبالتالى يقوم الناس بتأمين بيوتهم بعدة أشكال تصب فى النهاية التأمين من السرقة ، وينصح دائماً خبراء الأمن المواطنين بضرورة توخى الحذر من التساهل فى عدم تأمين منازلهم الأمر الذى يُسهل على السارق مهمته.. وكلما كانت معدلات الوقاية والتأمين أكثر، كلما قلت طرق العلاج ، ولا نحتاج لزيارة الطبيب أو رجال الأمن من اجل علاج ما لم تفلح فيه طرق الوقاية أو التساهل فى هذه الإجراءات .
ويلعب الأمن الصحى فى جائحة كورونا دوراً مهما فى صيانة الأمن القومى وعدم إنتشار الفيروس .. لو أتبعنا كافة الإجراءات الإحترازية والوقائية لمنع تسلل هذا السارق ” الكورونا ” إلى أجسادنا ” بيوتنا” ،والتى قد تتعرض للإختراق نتيجة للتساهل والإهمال واللامبالاة من قبل البعض ، وبالتالى نعرض حياتنا وحياة الآخرون لخطر كبير من هذا الفيروس ، لو لم نتخذ من الوقاية سبيلاً لإنقاذ حياتهم وبدنهم من توغل الفيروس إليهم .
ولقد تلاحظ خلال الأيام الماضية حالة من التراخى من قبل المواطنين وعدم الإلتزام بكافة الإجراءات التى تم إقرارها من قبل منظمة الصحة العالمية ، ووزارة الصحة والسكان المصرية ، من أجل الحد من إنتشار الفيروس والقضاء عليه والعمل على تراجع معدلات الإصابة بالفيروس لدرجة الصفر فى الإصابة وحالات الوفيات .
إن تمسكنا بالإجراءات الوقائية والإحترازية بصورة كبيرة خلال الفترة التى سبقت وأعقبت عيد الأضحى المبارك ، من خلال الإلتزام بالتباعد الإجتماعى ، وإرتداء الكمامات ، وعدم التزاحم فى الأماكن المغلقة وغيرها من المعايير التى وضعت لحماية المجتمع من فيروس كورونا ، كلها كانت وراء التراجع الواضح فى معدلات الإصابات والوفيات من كورونا ، وهو يعنى إننا حينما ننفذ الجزء الأول من المقولة وهى الوقاية .. فلم ولن نحتاج إلا علاج .
إننى أرى أن المواطنين قد تخلوا عن جانباً كبيراً من الإجراءات الوقائية مثل عدم إرتداء الكمامات ، والتقارب فى المقاهى والتزاور بين العائلات كما كان من قبل ، وعدم التمسك بإستخدام المطهرات، وعودة الأفراح كما كانت من قبل ،وكأن كورونا ” ماتت ” وأصبحت فعل ماضى وغير موجودة فى حياتنا ، وتم إيجاد المصل لهذا الفيروس وتم حقن به الشعب ..وهذا كله غير حقيقى .
ولكن الحقيقة أن غياب دور الأمن خلال الأيام الماضية بالشكل الذى كان يقوم به قبل ذلك وتطبيقه للقانون وتغريم المهمل فى عدم إرتداء الكمامة ، كان أحد العناصر القوية الوقائية التى أدت إلى تراجع حالات الإصابة وكذلك مراقبة سرداقات الأفراح والعزاء والإحتفالات وعدم إقامتها، وتخليه عن الدور الذى منحه له إياه القانون وقرارات الحكومة سيؤدى إلى كارثة ، لو لم نعيد هذه الكرة مرة أخرى ،وإنما بشكل أشد خاصة وأن التحذيرات من الموجة الثانية من فيروس كورونا وفقاً للتقارير العالمية تنذر بإنها ستكون أشد ضراوة وأكثر فتكاً .
لذا فإنه يجب إعادة العمل وتنفيذ قرار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، المتعلق بالإجراءات الاحترازية والوقائية للتصدي لانتشار جائحة “كورونا”، والذى ألزم ، في مادته الـ11، العاملين والمترددين على جميع الأسواق، أو المحلات، أو المنشآت الحكومية، أو المنشآت الخاصة، أو البنوك، أو أثناء التواجد بجميع وسائل النقل الجماعية؛ سواء العامة أو الخاصة، بارتداء الكمامات الواقية، لحين صدور إشعار آخر ، وطالما لم يصدر قرارات جديدة بوقف العمل بهذا القرار فإنه مستمر طالما الفيروس مستمر أيضاً
فالأمن عليه عامل كبير فى ضبط وتيرة الحياة فى حالات التسبب والإهمال واللامبالاة والرعونة والتى عادة ينتج عنها أمور كارثية نحن فى غنى عنها.
إننا ننشد لمصرنا الحبيبة أن تخرج من هذه الجائحة بأقل الخسائر، وهذا لو أعدنا مرة أخرى وطبقنا وإلتزامنا وتمسكنا بكافة الضوابط والمعايير والقواعد الوقائية والإحترازية لمنع إنتشار الفيروس .
ولو علمنا أن هذه الوقاية تأتى فى إطار الأمن القومى لمصر، بعدما أثبت لنا الايام الماضية مدى فداحة الأضرار الإقتصادية والإجتماعية والصحية من جراء هذا الفيروس الذى تسبب فى وقف العديد من الأنشطة وتسريح العمالة وخراب وتدمير الكثير من البيوت لعدم إيجاد عوائد للإنفاق عليها ، وهذا لو كنا جادين فى التعامل مع الفيروس والحد منه والقضاء عليه بفضل الله ووعى المواطنين بما هو مقبل وقادم .