توقف عن حرق وقتك وأموالك
في استثمارات فاشله في السياحه !!
في اكتوبر من عام 1956 اجتمعت “لجنة تصميم الطائرات الأسرع من الصوت” (STAC) في إنجلترا بمقر وزارة الطيران في لندن لمناقشة مشروع بناء طائرة أسرع من الصوت تشترك فيه الحكومة مع عدد من الشركات الخاصة العاملة بقطاع الطيران. وبالفعل تم البدء في المشروع المسمى “كونكورد”، وفي سنة 1962م انضمت فرنسا إلى المجموعة.
استغرق الأمر 7 سنوات وتكلف 1.5 مليار جنيه إسترليني قبل ظهور النسخة الأولية من الطائرة، ولكن قبل الانتهاء (في منتصف الطريق) اتضح أن المشروع غير مجد من الناحية المالية بعد أن تجاوزت تكلفته المخطط لها بكثير.
ورغم ذلك، أصر المشاركون في المشروع على المضي فيه قدمًا وتطوير نماذج تجارية من الطائرة ورفضوا فكرة التخلي عنه لأنهم قطعوا فيه بالفعل شوطًا كبيرًا.
استمر المشروع، وأقلعت أول رحلة تجارية لـ”الكونكورد” في يناير/كانون الثاني عام 1976، وبعد فترة عناد ومكابرة وتجاهل للحقائق استمرت حوالي 27 عامًا، قامت الطائرة بآخر رحلة تجارية لها في عام 2003م، بعد أن اقتنع القائمون على المشروع أخيرًا بفشله من الناحية المالية، واستحالة استمراره، ولكن بعد أن ضاعت أكوام من أموال دافعي الضرائب.
كانت “الكونكورد” فخر أسطول بريطانيا الجوي، ولكن مشكلتها هي أنها لم تكن اقتصادية (كان هذا معروفًا من البداية) ولذلك أصبحت حكرًا على المشاهير والأغنياء من أمثال “ديانا” أميرة ويلز، والذين كان باستطاعتهم دفع حوالي 6.290 ألف إسترليني للطيران من مطار هيثرو بلندن إلى مطار “جيه إف كيه” في نيويورك خلال حوالي ثلاث ساعات ونصف، أي أقل من نصف الوقت المعتاد للرحلة.
انتهت المغامرة المالية “الأنجلو فرنسية” التي أطلق عليها اسم التجربة التسويقية الأغلى في التاريخ وأصبحت أسطورة، ولم يبق منها سوى مصطلح يتم استخدامه في علم الاقتصاد السلوكي يسمى “أثر الكونكورد” أو “مغالطة التكلفة الغارقة”، والذي تم اعتماده كوصف للسلوك غير العقلاني الذي يدفع البعض لإنفاق المزيد من الأموال على مشروع فاشل، فقط لأنهم استثمروا الكثير فيه بالفعل.
سيارتك التي اشتريتها بـ10 آلاف دولار .. هل تبيعها لي بأربعة؟
الكثيرون يقعون في مصيدة فخ التكلفة الغارقة، بسبب فشلهم في تقييم قراراتهم حول مصير استثماراتهم أو مشاريعهم على أساس التكاليف والمنافع المستقبلية، ورفضهم تقبل فكرة أن الخسارة المحدودة القريبة أفضل من الخسارة الكبيرة البعيدة.
هذا الفخ هو في حقيقته عبارة عن مغالطة منطقية تقوم خلالها بتأسيس قراراتك بشأن استثماراتك على أساس التكاليف التي تم تكبدها بالفعل، وليس على أساس العائد المتوقع منها.
فكر في المثال التالي: لنفترض أنك اشتريت سيارة مقابل 10 آلاف ريال، ولكن اتضح لك لاحقًا أنها غير جيدة، والآن أنت في حاجة إلى إنفاق 4 آلاف دولار على تصليحها.
في هذه اللحظة يخبرك الميكانيكي ه يعرف شخصًا يمكنه شراء السيارة مقابل 4 آلاف دولار ليبيعها كقطع غيار. السؤال الآن: هل من الأفضل لك أن تبيعها مقابل الـ4 آلاف دولار وتخسر 6 آلاف دولار، أم تنفق عليها 4 آلاف دولار أخرى بغرض إعادة تشغيلها؟
معظمنا سيفكر كالتالي: “هذه السيارة أنا اشتريتها مقابل 10 آلاف دولار وإذا بعتها بالسعر المعروض سأخسر 6 آلاف دولار، ولكن إذا أنفقت عليها 4 آلاف دولار أخرى قد تصبح مثل الجديدة، وبالتالي الأمر يستحق.”
هذا التحيز هو أساس مغالطة التكلفة الغارقة. ببساطة انصب تركيزنا على التكلفة غير القابلة للاستراداد عند محاولتنا اتخاذ قرار بشأن مستقبل استثمارنا، ولذلك فضلنا تجنب إدراك الخسارة، حتى لو كانت هناك أدلة تشير إلى أنه من الأفضل أن نتراجع عن الاستمرار في هذا الاستثمار.
لتتجنب فخ التكلفة الغارقة في المثال السابق، يجب عليك ألا تأخذ في اعتبارك أثناء اتخاذك لقرارك سوى التكاليف والعوائد المستقبلية، وليس الأموال التي تكبدتها بالفعل. إذا كان الميكانيكي يعتقد أن السيارة لا تستحق الاستثمار في تصليحها، فمن الحكمة أن تفكر جيدًا في التخلص من السيارة، وذلك لسبب بسيط جدًا وهو أن سيارة معطوبة سعرها 10 آلاف الدولار أفضل من أخرى معطوبة أيضًا ولكنك دفعت فيها 14 ألفًا.
اقفز من سفينتك الغارقة قبل فوات الأوان
فخ التكلفة الغارقة يفسر لماذا تصر على إنهاء فيلم لا تستمتع به بعد أن دفعت ثمن تذكرة السينما، ولماذا تحرص على إكمال وجبة طعمها لا يروق لك، وكذلك يوضح لك سبب احتفاظك في دولابك بملابس لا ترتديها، وسبب استمرارك في استثماراتك ضعيفة العائد والأداء.
أمضيت ساعتين في مهمة، وتبقى أمامك ثلاث ساعات من أجل إنهائها. استثمرت ألف دولار في سهم وأصبحت قيمة استثمارك 750 دولار فقط. امضيت 5 سنوات في وظيفة لا تحبها، ولكنك حصلت على ترقية لتوك. هذا جزء من أمثلة لا تعد ولا تحصى على التكلفة الغارقة التي لا يمكنك استعادتها.
باختصار، عقلك يرفض خسارة ما استثمرته وبذلته من وقت ومال في كل هذا، ولكن ما لا تدركه هو أن ذلك التحيز يتسبب في غوص قدميك بشكل أكبر في مستنقع الخسارة.
الأفراد والشركات والحكومات يقعون في هذا الفخ بسبب ترددهم في الاعتراف حتى لأنفسهم بأنهم فشلوا وأهدروا مواردهم على مشروع أو استثمار سابق اتضح أنه لم يكن موفقًا. ونتيجة لذلك يميلون للاستمرار في هذا المشروع بل واستثمار المزيد من الأموال به في محاولة يائسة لجعل أنفسهم يبدون وكأنهم كانوا أصحاب نظر ورؤية عندما اتخذوا قرارهم الأولي.
أشار باحثون في جامعة أوهايو إلى أن أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء تصرفنا بهذه الطريقة هو عدم رغبتنا في أن نبدو كمسرفين. بينما خلصت دراسة أعدها باحثون هولنديون إلى أن الناس الأكثر قدرة على ترك ما حدث بالماضي وراء ظهورهم هم الأقل عرضة للوقوع في هذا الفخ، كما أشاروا إلى أن العمر يلعب دورًا في هذا، حيث وجدوا أن كبار السن أقل عرضة من غيرهم للتأثر بهذا الفخ.
خلاصة القول، يجب عليك أن تركز على المستقبل وأن تتخذ قراراتك بناءً على ما هو أمامك وليس على ما هو وراءك. وعليك أن تركز على كيفية إنفاق المال والوقت الذي تمتلكه الآن وليس على ما كنت تمتلكه بالأمس. هذا الأمر صعب، وقليلون هم من ينجحون في عدم التشبث بأفعالهم السابقة، ولكن هذا هو صلب عملية اتخاذ القرار الرشيد
الصفحة الشخصية للكاتب على الفيس بوك :-
https://www.facebook.com/aladdin.khalifa