تقرير: بدر العنزي
تصوير: عبدالله النحيط
هي جغرافية المكان، تلك التي تصنع التباينات، وتلهم مع تموجات تضاريسها أحلى الأخيلة والإبداعات. معها تبدع الشعوب مختلف فنون الحياة، وتترك فوق ثراها بصمة إبداعها تراثاً يبقى صامداً يحكي قصة ما كان. على الامتداد الشاسع لثرى هذا الوطن، شاد أجدادنا الأوائل صروحاً معمارية لا تزال تروي حكاية إبداعهم، وتركوا تراثاً لا يزال شاهداً على مدى تطورهم. منه استلهمت رؤية 2030 أحد مرتكزاتها التي تهدف إلى جعل المملكة وجهة سياحية عالمية. وهنا، في العلا في منطقة تبوك، نحط رحالنا في واحد من أجمل مواقع الجذب السياحي في المملكة، حيث كان لشتائها هذا العام حكاية تروى مع مهرجان ليالي (الطنطورة)، ودلالة هذه المزولة التراثية لدى أهالي مدينة العلا التي حمل المهرجان اسمها.
كان المهرجان بلياليه الحالمة، وما شهده من حفلات وعروض فنية مبدعة مركز استقطابٍ جذبَ إليه الكثير من أبرز أهل الفن والثقافة والإبداع، وأيضاً المهتمين من داخل المملكة وخارجها . ونقل العلا إلى مرتبة تستحقها بين مواقع الجذب السياحي في المنطقة العربية والعالم.
وإرثه التاريخي؛ فكان الاهتمام بأدق التفاصيل وإخراجها بشكل يتلاءم مع هوية المدينة هو السمة التي يلاحظها زائر المهرجان أول ما يلاحظ؛ فمسرح (مرايا) الذي صمم من أجل المهرجان يعد تحفة معمارية بحق، يتيح للزوار مشاهدة العروض والقصص التاريخية المرئية باستخدام تقنية الإسقاط الضوئي الرقمي. وقد تم تجهيزه بأحدث التقنيات والتجهيزات البصرية؛ ليكون مقر احتفالات عالمية، يعرض منظراً بانورامياً يطل على آثار الحضارات السابقة. كما ساهم تصميم الستائر الخلفية المتحركة للمسرح في إبراز طبيعة العلا، وإظهار جمالية التشكيلات الصخريّة للموقع؛ ليكتمل المشهد الجمالي في ذاكرة الزائر.
وقد حرص القائمون على المهرجان على أن يكون برنامج المهرجان متنوعاً يعرّف بطبيعة تلك المنطقة الساحرة، وكثبانها الرملية الذهبية التي جعلت منها أرضاً خصبة للزراعة، ووجهة سياحيةً بامتياز. وتم توفير مختلف الخدمات المرافقة بكافة مقوماتها؛ بما في ذلك بناء مخيمات بمستويات فندقية راقية لهواة التخييم، والتي أتاحت للزوار أن يعيشوا التجربة وفق أرقى الخدمات المقدمة.
كذلك يجد هواة المغامرات ما يلائمهم من أنشطة وفعاليات كالإقلاع والطيران بالمناطيد الملونة التي تتيح للزائرين التحليق في سماء العلا، ومشاهدة الطبيعة الخلابة في أبهى حللها.
وكان من بين الحفلات الفنية الأخرى أمسية لعازف الكمان رينو كابوسون، والموسيقار المصري عمر خيرت، كما كان لأم كلثوم حضورها للمرة الأولى في التاريخ بحفل غنائي عبر تقنية (الهولوجرام) أو التصوير ثلاثي الأبعاد.
أندريا بوتشيلي أو الصوت الأعذب في العالم، وياني المغني اليوناني الأشهر، وأصغر عازف بيانو في العالم الصيني لانج لانج، كانوا نجوماً أضاؤوا شتاء طنطورة، وأسماءً لامعة استقطبتها العلا.
هذه هي مدينة العلا، عروس الجبال الشاهدة على تعاقب الحضارات العريقة التي مرت على أرضها؛ حيث تبوح صخورها بحكايات لأقوام تركوا آثارهم ونمط حياتهم على صخور جبالها؛ لتشكل مع تعاقب الحضارات على مر العصور متحفاً أثرياً، وأعجوبة هندسية استحقت تسجيلها واعتمادها في قائمة التراث العالمي بـ(اليونسكو).
نقلاً عن مجلة ترحال التابعة للهية العليا للتنمية السياحية بالمملكة العربية السعودية
http://www.tirhal.com/details/ItemID/650