ومن هذا المنطلق يتأكد لنا اللغط والخطأ التاريخى فى دراسة مفهوم العقيدة المصرية القديمة وخاصة انه علم نشأ على يد الاجنبى مثل السيدة الاثرية دى باك على سبيل المثال لا الحصر.
ولذلك نقول بكل ثقة بان موضوع دراسة العقيدة الدينية القديمة تعتبر من الامور الشائكة فى الدراسة وخاصة ان الملامح الاولى الحقيقية لهذه العقيدة لم تثبت بالفعل الا فى نصوص هرم الملك اوناس وليس قبل ذلك ولذلك اقر معظم علماء هذه العقيدة بان بداية مفهوم العقيدة بالفعل لم يظهر الا مع نصوص هرم الملك اوناس فى الاسرة الخامسة.
وبما ان حقائق التاريخ لا تضيع ابدا فنجد التناقض الشديد بين علماء الاثار فى موضوع الديانة او العقيدة المصرية القديمة،فهناك من قال على سبيل المثال لا الحصر بان المصرى كان عابدا للحيوان او ان قكرة الثالوث معروفة فى العقيدة المصرية قبل العصر البطلم.
ونجد هناك اخرين لم يوافقوا على مثل هذه الاراء ومنهم الكاتب الاثرى الانجليزى (ويلكنسون) الذى كتب فى عام 1878 كتابه الشهير(العادات والتقاليد فى مصر القديمة) وبالرغم من قدم هذا الكتاب الا انه ذكر فيه بالنص الحرفى (استحالة بان يكون الفكر المصرى له علاقة بعبادة الحيوان على الاطلاق) فما كتبه لا يتفق مطلقا على ما كتبه البطالمة والكهنة عن عبادة الحيوان،كما ان ما كتبه لا يتفق مع ما كتبته الاثرية مدام دى باك او غيرها ممن ألفوا الاقاويل حول العقيدة المصرية القديمة.
ونحن هنا لا نريد بان نقول بان كل المصريين كانوا موحدين بالاله الواحد فى اى عصر من العصور،ولكن بمثل هذه القيم النبيلة والسمو الاخلاقى فلا يمكن للمصرى القديم بان يكون عابدا للحيوان او انه عبد الالهة على اساس انه لم يعرف الاله الواحد قط.
وما اجمل ما قاله العالم الاثرى والس بدج فى عام 1934 وهو احد المتخصصين فى العقيدة المصرية القديمة واصدر كتابه الشهير فى اكسفورد باسم (الديانة المصرية القديمة) والذى قال فيه بالحرف الواحد((بالرغم من كل التناقضات الموجودة فى نصوص التوابيت فلا يسعنا الا ان ننتهى الى راى واحد قاطع وهو ان المصرى القديم بالرغم من هذا التناقض الشديد كان يعتقد فى اله واحد وان الالهة الاخرى ولو حتى اوزير نفسه ما هى الا من خلق هذا الاله الواحد الاكبر))
ويدل كل هذا بان العقيدة المصرية القيدمة لابد ان ترمم وتكتب بالايدى المصرية الواعية والدارسة والتي اجتهدت من اجل الوصول الى الحقائق التاريخية المثبتة والتى لها اساس وجذور فى صحيح التاريخ وليس تلك المغالطات التى يسير عليها الكثيرين من الاثريين حتى يومنا هذا.وهذا يدفعنا بالقول والنداء بانه لابد من اعادة ترميم التاريخ ولا سبيل الى الوصول الى الحقائق الا بعد ترميم التاريخ وخاصة لهذا التطور الكبير الذى وصلت اليه اللغة المصرية القديمة.
فمعظم هذه المشاكل وغيرها تمسك بها علماء الغرب لما وجدوه من كتابات ظلت محفوظة بعد حريق الاسمتدرية والتي كتبها المؤرخ المصرى مانيتون السمنودى.وهو نفسه تحول من عبادة امون او التمسك بتعاليم امون الى اله اخر من تاليفه مثل الاله انحر او انوريس بل بنى له معبدا بامر من بطليموس الثانى وظهر في التاريخ معبد (انوريس شو)
ومن عجائب تاريخ مانيتون بانه ارجع التاريخ المصرى الى الالاف من السنين،حيث ان هرم الملك خوفو بحسباته يرجع تاريخ بناءه الى 20 الف سنة من عمر التاريخ البشرى.وهذه العملية الحسابية الخاطئة صدقها الكثير من الباحثين والذين ارجعوا تاريخ البشرية الى الملايين من السنين.
ولكن من محاسن ما تبقى من كتابات ماتنيتون بانه بدا التاريخ المصرى بالملك مينا او نعرمر،ولم يذكر اى اسما لملك قبله.وقسم الاسرات الى 30 اسرة.ومن اهم ما كتبه أيضا بانه اعطانا فكرة عن قوم الهكسوس،وكل ما ليدنا من سيرة عن هذا القوم كان نتيجة كتابة مانيتون.وكذلك ذكر ان شخصية (اوزار سف) هي شخصية حقيقة كنعانية من البدو،ولقد وصل الى مرتبة وزير كاول اجنبى يشغلهذا المنصب وانقذ مصر من مجاعة حقيقية.
كتب عن شخصية (موسى) وهى ايضا حقيقية وليست اسطورة،ولكنه لم يشير الى تدمير مصر بل انه اخذ قومه ورحلوا من مصر فقط، بل ادعى ان ذلك كان فى عهد الملك رمسيس الثانى.ولذلك يعتقد الكثير حتى يومنا هذا بان رمسيس الثانى هو فرعون موسى وهذا ليس صحيحا على الاطلاق.
وبخلاف ذلك لم نجد له اية كتابات،وكما سبق القول بانها احرقت كاملا فى حريق الاسكندرية.وبذلك يعتبر مؤرخ متخصص فى عصر الهكسوس،اما عن التحنيط فكتب فقط عن التحنيط الملكى وكان واقعيا جدا فى هذا الموضوع واكدته الابحاث الحديثة، على عكس ذلك المؤرخ الهرطقى هيرودوت.
وفى حقيقة الامر وبشهادة التاريخ نفسه بان مانيتون السمنودى لم يكن يظهر في التاريخ او يعرفه أحدا قط الا من كتابات المؤرخ اليهودى (يوسيفوس) وفى كتابه الشهير والمحفوظ حتى الان باسم (الرد على ايبون) الذى حاول ان يدافع عن اليهود ومهاجمة مانيتون في به لليهود،وادعى يوسيفوس بان الهكسوس هم قوم رعاة من اصل ارض كنعان وكان منهم وزيرا لمصر ثم غزوا مصر بعد خروجهم الكبير وكان هذا الخروج في عهد الدولة الوسطى.
فلولا يوسيفوس ما عرف العالم والتاريخ شخصية مؤرخة مثل مانيتون،بل انه ذكر بانه قرا لمانيتون في مكتبة الإسكندرية اعمالا قد تكون أدبية تاريخية دينية.ولقد عرف اسم كتابه التاريخى المصرى باسم (أجيبتياكا) وترب فيه الاسر المصرية ترتيبا لمك نختلف عليه حتى الان وكذلك أسماء المولك والاحداث والتفاصيل الدينية والاجتماعية والتي نشك فيها في هذه الجوانب.
ومما لا يعرفه الكثيرين حتى يومنا هذا بان مانيتون السمنودى الف كتابا اخر اطلق عليه اسم (الجباتا) والذى اطلق عليها بعض العلماء
الحديسثون اسم (اسفار مصرية لمانيتون السمنودى) حيث كتب فيه تاريخ مصر من حيث النصوص والاسرار المتجلية.ولعل الكثير منها اخذه من ذلك الكاهن اليهودى الذى اشرنا عنه من قبل وهو زدهير،وهنا ادخل العلماء كلهم بلا استثناء في البحث عن هذه
الاسرار المقدسة.وكان ثالث شيء يكتبه مانيتون في سرد (قصة العالم) حسب الاعتقاد المصرى القديم حيث بداه بقول ((لم يكن في البدء الا ماء وضباب،ولم نكن الحياة والم يكن النبات.طبقات متلاصقان من المياهبينهما فاصل فضى من نور،اسفلهمن المياه الذى هو
(نون) المحيط الازلى،مياه وظلمة ولم تكن الشمس قد تكونت بعد.على سطح المياه الازلى كان النون.وفى هذا النون كانت هناك بيضة كبيرة وعندما انفجرت خرج (اتوم) من تلك البيضة وكانت الظللامة مازالت كما هي))
فى هذا الكتاب المعروف باسم (الجباتا) تحدث مانيتون في المقدمة عن نفسه،وسنعرف ما قاله عن نفسه في المقال القادم
والى لقاء مع المقال القادم باذن الله ومواصلة الحديث عن مانيتون السمنودى