أخبار عاجلة

الباحث الآثارى “أحمد السنوسى” يواصل رحلته مع ” المحروسة نبوز ” فى كتابة مقالات عن : دراسة واقعية حول شخصية المؤرخ المصرى القديم “مانيتون السمنودى ” (3)

في يوم 19 يوليو، 2020 | بتوقيت 1:00 مساءً

فى خضم كل ذلك نشأ مانيتون فى حب شديد للامير الجديد بطليموس الثانى ابن بطليموس الاول والذى قال عنه فى تاريخه (بطليموس الاول حط فى مصر حجر الاساس لنهضه ثقافيه كبيره اتبلورت فى عهد ابنه بطليموس الثانى المؤسس لنهضة عظيمة فى مصر).

وعندما زادت شهرته كمصرى او كاول مصرى فى العهد البطلمى تم تعينه كاهنا على مدينة هليوبليس ولكن الامر لم يقتصر عند ذلك الحد قط.

قفى عام 284 ق.م عندما تولى بطليموس الثانى (فيلادلفيوس) عين الكاهن المصرى مانيتون كاهنا اكبر على مدينة سمنود موطنه ومولده وكان يبلغ من العمر انذاك 39 عاما وشغل هذا المنصب حتى وفاته فى عام 245 ق.م عن عمر يناهز 78 عاما.

وبذلك اعتبر اشهر كاهن مصرى فى التاريخ البطلمى بجانب كونه اول مؤرخ مصرى يظهر فى التاريخ القديم كله.وكان مانيتون يتميز باجادته للغة المصرية القديمة بجانب اللغة الاغريقية قراءة وكتابة ولذلك امره الملك بطليموس الثانى بكتابة تاريخ مصر منذ الجذور الاولى حتى عهده.

ويعتبر مانيتون المرجع الأول لعلماء التاريخ المصري القديم حيث وضع مانيتون قائمة عرفت باسمه تتألف من قوائم بأسماء الملوك منذ بدء التاريخ حتى نهاية الأسرات الفرعونية مرتبة بحسب الأسرات مع تقدير بمدة حكم كل ملك.

ومن أشهر مؤلفات مانيتون كتاب (تاريخ مصر) الذى كان سيعد المرجع الأول للباحثين في تاريخ مصر القديمة لولا سوء الحظ،فقد احرقت النسخة الأصلية في حريق مكتبة الأسكندرية ولم يتبق إلا بعض صفحات من هذا الكتاب نقلها لنا بعض المؤرخين اليهود مثل يوسيفوس ثم ايبون فيما بعد.

ولكن من الناحية الدينية التى هى محور كتابنا هذا نجد ان مانيتون نفسه بقصد او بدون قصد قد اخطأ كثيرا فى حق تاريخ بلاده القديم من الناحية الدينية بجانب ولعه الذى نشأ فيه فى تعظيم البطالمة الى حد العبادة مثل الاسكندر الاكبر وبطليموس الاول والثانى وكما عرفنا فى سطور قليلة.

ولكن من التدقيق التاريخى لا يمكن ان نتهم مانيتون بالتقصير ولكن نتهمه بعدم التدقيق وخاصة لو سالناه اليوم من اين اتى بكل تلك الاخبار والاحداث منذ عهد الملك مينا حتى عهد الملك بطليموس الثانى؟ولذلك لنا تعليق هام حول تلك الشخصية من الناحية الدينية البحتة وتتمثل فى عددا من النقاط الهامة التى تستحق الدراسة والبحث والتدقيق مثل ما يلى :-

1- نشأ مانيتون فى المعاهد البطلمية الحديثة متعلما بلغة جديدة وهى التى نطلق عليه الان اللغة (الديموطيقية) والتى ادخل فيها البطالمة سبعة احرف جديدة ولم تكن موجودة اصلا فى اللغة المصرية القديمة.

2- نشأ فى كنف السطوة اليهودية الثقافية واللخبطة الدينية سواء من اليهود او البطالمة،ومن هنا نشأت كراهيته لليهود والذى كتب عنهم بانهم صنف نجس من الرعاة البدو وما الى غير ذلك.

3- ومن اخطاؤه الدينية انه قال بان المصرى القديم كان عابدا للحيوان واول من ينشأ فكرة ثواليث الالهة وخاصة بعد ظهور ثالوث الاسكندرية وعجل سيرابيس وما الى غير ذلك،وهذا هو نفسه ما تعلمه خطأ فى المعاهد البطلمية الدينية.

4- انه كتب بامر من بطليموس الثانى تاريخ مص القديم وهنا يتأتى لنا سؤالا هاما جدا وهو من اين اتى مانيتون بكل هذه المعلومات منذ الجذور الاولى حتى عهده؟؟ وهذا يعنى انه انشغل بكتابة تاريخ كامل يقدر بثلاثة الاف عاما الا قليل مع انه لم يكن هناك مكتبة قومية لتاريخ متسلسل للحضارة المصرية القديمة؟ وانه اول تاريخ كامل يكتب كان هو نفسه تاريخ مانيتون السمنودى!

5- ان مانيتون وكما هو واضح جليا فى تاريخه كان مقتنعا وبشدة بفكرة توفيق الاوضاع الدينية المصرية الاغريقية وهذا ما تعلمه فى المعاهد بل ونجح فيها كذلك الا ما كان يصل الى هذه الدرجة الكهنوتية كمصرى اصيل وليس اغريقى او يهودى.

والدليل المؤكد على ذلك انه عندما اصبح كاهنا لمدينة سمنود لم يتطرق الى الاصل المصرى لها او معبدها او الالهة بها بل الى العهد البطلمى ولنا مع هذه المدينة وهذا المعبد وقفة مبسطة!!.

– مدينة سمنود ومعبدها فى العهد البطلمى :هى المدينة التى عرفت فى التاريخ المصرى القديم باسم (ثب نتر) وكانت عاصمة الاقليم الثانى عشر من اقاليم مصر السفلى او الوجه البحرى. وكان بها معبدا مصريا قديما.

ولكن فى العصر البطلمى اصبح اسمها (سبنيتس) مع تغير كبير فى المساحة التوسعية،وبنى بها معبدا لم تعرفه مصر من قبل وهو معبد الاله (انوريس شو) وكان كاهن هذا المعبد هو نفسه المؤرخ المصرى الاول القديم مانيتون السمنودى،والسؤال ههنا  من هو الاله انوريس شو؟؟.

ان بقايا هذا المعبد توجد الان فى بهو مستشفى سمنود المركزى،بل بدلا من البحث والتدقيق لترميم التاريخ قام المسئولين المحليين باستكمال البناء على انقاض تلك الاثار ضاربين بعرض الحائط بعراقة حضارة المدينة وحاضرها لمنكوب.

ولقد عرف هذا المعبد فى العهد البطلمى باسم (معبد سبنيتس او ثيس) وان اله هذا المعبد والمدينة انحر بالمصرية او انوريس بالاغريقية. ومعنى التسمية او اللفظ (الذى اعاد الربة البعيدة) ولقد تم تاليف اسطورة حوله وتم الخلط بينه وبين الاله شو وزوجته الالهة تفنوت.وكذلك حدثت لخبطة دينية اخرى بين الاله انوريس والاله تحوت.وهنا حدث تداخل دينى اخر بين الالهة المصرية حاتحور فى منطقة هيرموبولس لتصبح الالهة حاتحور بانيباس وهى الالهة البعيدة.

– الاله انحر او انوريس :-  واحيانا كان الاله انوريس يصور فى هيئة اله محارب،تعتلى راسه ريشتان عاليتان مستقيمتان كما فى ريشة الاله امون او الاله مين.

 وقد اخذ لقبا وهو ابن الشمس وايضا الشكل الادمى ويمسك بحبل ويعنى هذا الاسم (الاله الذى يحضر البعيد) الذى يستطيع ان يجلب كل بعيد.وقد ارتبط هذا الاله باسطورة هلاك البشرية وبامر اعادة حاتحور ابنة اله الشمس التى كانت قد هربت الى بلاد النوبة!!

والسؤال الهام ههنا: هل فى العقدية المصرية القديمة عرفنا اسم هذا الاله؟

 وهل فى الأسطورة هربت حاتحور الى بلاد النوبة؟.

وهذا يدل مما لاشك فيه بان ابو التاريخ المصرى وهو مانيتون السمنودى كتب التاريخ بفكر بطلمى خالص وخاصة من الناحية الدينية ولانه ايضا قال بنصا حرفيا بان المصرى القديم كان عابدا للحيوان،ولنا وقفات كثيرة مع هذه المقولة من حيث التاريخ البطلمى وتاثيره على العقيدة المصرية القديمة.

ولكن للانصاف التاريخى المدقق نجده من ناحية اخرى يهاجم اليهود ويصفهم بانهم رعاع بلا اصل وخاصة انه يشاهد ويعاصرسطوة اليهود تحت الكنف البطلمى وخاصة على سبيل المثال لا الحصر ذلك الكاهن اليهودى زدهر الذى كتبنا عنه من قبل.

والى لقاء مع المقال القادم باذن الله ومواصلة الحديث عن مانيتون السمنودى

كاتب المقال

الباحث الاثارى والمرشد السياحى

احمد السنوسى

   

مقالات ذات صلة