آثار ومصرياتأخبار عاجلةالمنطقة الحرةسياحة وسفرشئون مصرية ومحليات

الباحث الآثارى “أحمد السنوسى” يواصل رحلته  مع ” المحروسة نبوز ” فى كتابة مقالات عن : دراسة واقعية حول شخصية المؤرخ المصرى القديم “مانيتون السمنودى ” ( 2 )

في يوم 12 يوليو، 2020 | بتوقيت 7:00 مساءً

ان تمثال زدهير ذلك الكاهن اليهودى الملعون والذى ذكرناه في المقال السابق،قام بدراسته عالم المصريات (مسيو دارسى) ويقول بان نصوص هذا التمثال الخاص بهذا الكاهن اليهودى تعتبر إضافة جديدة لمعلوماتنا عن الديانة المصرية القديمة؟

والان اسال السيد دارسى نفسه هل كانت هذه النصوص مصرية خالصة لتضاف الى العقيدة المصرية القديمة الحقيقية ام انها تعاليم وتخاريف يهودية فى كنف العصر البطلمى الاول؟.

فصاحب التمثال وكما فى صحيح التاريخ فى العهد البطلمى الاول فهو لرجل من المدنيين اليهود الذين نزحوا الى مصر واستقر بامر من بطليموس الاول فى الدلتا (بنها الان) وقد صنع تمثالا لنفسه في زهو كبير وانت نفسك يا مسيو دارسى قلت ذلك،وان ما كتبه اقولها بعلو فم تخاريف يهودية لمحو العقيدة المصرية القديمة الحقة.

اما عن التاثير اليهودى آنذاك يقول المؤرخ يوسيفوس فلافيوس (بان اليهود استقروا فى مصر فى عهد الملك  بطليموس الاول،ولقد عمل اليهود فى الإدارة بوصفهم حراس لنهر النيل ولقد انتشروا فى الكثير من البلدان المصرية والمدن الكبرى كذلك.

اما فى الاسكندرية فلقد كان لهم حيان من احياء المدينة الخمسة،وهكذا تمتع اليهود السكندريون بقدر كبير من الاستقلال السياسى عن اى مكان اخر ولو حتى فى داخل فلسطين نفسها.كما كان لليهود جالية كبيرة ايضا على ضفة نهر النيل الشرقى فى مدينة البهنسا بالمنيا الان واستقروا فيها لعدة قرون هادئة حتى كان العصر الرومانى وتغير الاحوال ليس مع اليهود فقط بل فى مصر كلها)

ومن الحقائق الموثقة كذلك فى هذا الامر بان يطليموس الاول عندما كان يذهب لمراقبة البناء فى مكتبة الاسكندرية اثناء الانشاء كان يرافقه طبيبه الخاص (فيلاريتيس اليهودى) ويرافقه احد التلاميذ الاطباء كذلك وكانوا من اليهود.

ولقد الف اول كتاب طبى وكان اول كتاب يوضع فى مكتبة الاسكندرية بعد اكتمال بناءها. ويتضح من هذا الامر ايضا غياب الاطباء المصريين وتاثير ذلك من الناحية الدينية وفيما بعد وظهور مدرسة ايزيس بالطب وخرافات بنى اسرائيل فى العلاج وما الى اخره من امور دينية واجتماعية.

وفى عهد بطليموس الثانى مثلا فلقد حرص على نشر العلوم والمعارف والاداب وتعميم الصنائع وفى عهده ضم الى المكتبة عددا لا حصر له من الكتب،وفى عهده قام بعملين يذكران فى التاريخ حتى الان،اولهما موضوع الترجمة السبعينية.

وقد شهِد الفيلسوف الشهير يوستينوس عن الأسفار المقدسة أنها (حفظت نبوءات الله عند اليهود بعناية فى أسفار مكتوبة باللغة العبرية،فلما بلغ ذلك بطليموس ملك مصروأراد أن يجمع فيها كل مؤلفات الكتاب،طلب إلى هيرودس الذى كان ملكا على اليهودية أن يرسل إليه هذه الكتب،فأرسلها إليه بلغتها العبرية.

وإذ لم يكُن أحد فى مِصر ملما بالعبرية،طلب بطليموس إلى هيرودس أن يرسل إليه علماء لترجمة هذه الكتب فأنجزوا هذه الترجمة،وهى موجودة فى مِصر وبين أيدى جميع اليهود).

الشىء الثانى طلب بطليموس الثانى من (مانيتون السمنودى) كاهن معبد (سبينيتوس) أن يقوم بتأليف كتابه الشهير فى تاريخ مِصر القديمة والاسر الفرعونية باللغة اليونانية،وكان يقرأ الهيروغليفية،ويعرف اللغة الإغريقية أيضا،وقام مانيتون بتقسيم الأسرات إلى ثلاثين أسرة،وهو التقسيم الذى مازال موجودًا حتى الآن فى دراسة تاريخ الدولة المِصرية القديمة.ولكن هذه الترقية وهذه الصداقة،لابد من مقابل وهو تحيز مانيتون الى  انشاء مدينة ارسنوى في الفيوم وفى المقابل أيضا يكون السمنودى كبير مدينة سمنود ومعبدها الخاص بها،ويترك كهنوته في معبد مدينة هليوبليس (معبد اون)

– مدينة ارسنوى الاغريقية: ومما لا شك فيه بان بطليموس الثانى قد انشأ مدينة جديدة فى الفيوم واطلق عليها مدينة ارسنوى التى تعرف الان باسم (كيمان فارس) وكانت مساحتها انذاك حوالى 560 فدانا وعرفت انذاك باسم (كروكوديل بولس ارسنوى) وتعتبر أطلال هذه المدينة أكبر أطلال موجودة لمدينة مصرية قديمة فى العهد البطلمى.

ولقد اعتمد فى بناء هذه المدينة على اليهود وهذا مثال اخر صارخ على حقيقة الديانة المغلوطة فى العصر البطلمى،لان هذه المدينة فى الاصل المصرى كانت تسمى (شدت) وكان رمزها الاله سوبك فى هيئة ادمية وبرأس تمساح.

اما فى العصر البطلمى فلقد تغير الاسم الى كروكوديل بولس ارسنوى وجعل رمزها الاله سوخس الاغريقى وكان على شكل تمساح كذلك ومادخل بها من خرافات لم تذكر فى مصر قديما قط.وهكذا فلقد حول بطليموس الثانى جذور هذه المدينة الى مدينة اغريقية بحتة ولا علاقة بها بالاصل المصرى على الاطلاق.

ويعتبر كذلك بطليموس الثانى وزوجته ارسنوى اول البطالمة يشبه نفسه بالمصريين تماما من الناحية الملكية حيث التمثالين الذين صنعهما له ولزوجته فى هذه المدينة.

وفى اقصى الشمال أنشأ معبد الاله سوخوس او الاله سوبك وهو الذى قيل فى تاريخ مانيتون بان اصل هذا المعبد يعود الى عصر الدولة الوسطى حيث كانت الفيوم عاصمة مصر ثم جدده فيما بعد الملك رمسيس الثانى ولم يهتم به احدا بعد ذلك الا البطالمة وخاصة الملك بطليموس الثانى.

ولكن من التخاريف الدينية فى كتابة تاريخ مانيتون قال بان المدينة منذ اقدم العصور تعتبر مركزا لعبادة التمساح وهو الاله سوبك،ولقد بنى البطالمة حوضا كبيرا لتربية التماسيح المقدسة ثم ظهور خرافة اخرى بظهور عقيدة (ابناء سوخوس الاربعة) وان له دورا كبيرا كأله للخصوبة وكذلك دورا كأله فى الموت وعمليات الدفن،اى بمعنى ادق اخذ دور انوبيس فى العقيدة المصرية القديمة.

 ثم تحول الامر الدينى الى ان اصبح الاله سوخوس واحدا من الالهة الرئيسية وحامى للملوك البطالمة ثم اتحد بعد ذلك فى صورة الاله رع واصبح رع فى صورة تمساح فى العصر البطلمى واصبحت عقيدة فى جنوب مصر وفى كوم امبو كذلك حتى جاء العصر الرومانى.

وفى خضم كل ذلك نجد بان المؤرخ المصرى مانيتون يكتب فى تاريخه بان المصرى كان عابدا للحيوان فهل ما كتبه حقيقة فعلا ام خيال منه وتمجيدا فى الملك بطليموس الثانى المحب للاله التمساح؟.

فكان هذا الامر مما لاشك فيه احدى الأخطاء الكبرى للمؤرخ المصرى القديم مانيتون السمنودى،لان دفاعه الكبير عن هذه المدينة، والتمجد المبالغ فيه لبطليموس الثانى،دفعت الناس حتى يومنا هذا تعتقد بتاريخه وكذلك تعتقد فيما كتبه عن عبادة الحيوان في مصر وكذلك ما قاله عن الاله سوخس،وهو ليس الها مصريا ولم نسمع عنه في التاريخ المصرى كله سوى في العصر البطلمى فقط.

وهكذا اصبح مانيتون بكل قوة فى انبهار شديد بالحضارة البطلمية والتغالى فى حب وتمجيد الاسكندر الاكبر وفى كنف علم المنبهرين بالحضارة المصرية مثل الكاتب هيكاتوس الذى كتب كتابا باسم (وصف مصر) وخاصة اعجابهم الشديد بالورق البردى وما عليه من مدونات دينية او غير دينية.

والى لقاء مع المقال القادم باذن الله

كاتب المقال

الباحث الاثارى والمرشد السياحى

أحمد السنوسى

   

مقالات ذات صلة