منوعات

“المحترف و القرداتي” قصة قصيرة للدكتورة أميرة صلاح الدين

في يوم 27 يونيو، 2020 | بتوقيت 4:30 صباحًا

عائد رجل ولكن لقصره يتنفس بعمق ويخرج زفيرا يكاد يحرق ما حوله دخل لشرفة البيت الواسعة ، نافذة غرفة مكتبه مفتوحة نظر واجما لما يراه ففي ضوء خافت وجد ابنه الوحيد هاشم يفتح خزانته ،هو الوحيد الذي يملك نسخة من مفتاح خزينة أبيه ، وجده يسحب مسدسه ويتفحصه ثم يدسه بجيبه ، عندما وصل هاشم الباب وجد أبوه يسد الباب بهيبته و يده سائلا اياه :

على فين ؟ بهت هاشم وأبوه يمد يده ليخرج مسدسه بهدوء من جيب ابنه ويمسك ذراعه مصطحبه إلى الشرفة الخلفية ، على فين يا هاشم بدك تضيع نفسك ، هاشم صامت بينما عينيه ووجهه تنفجر منها براكين الغضب أجلسه أبوه ، أتظن اني لا أعرف أين تريد الذهاب ، عارف غلطتها الوحيدة أنها ربتك خائبا متهورا هاشم :

لما لم تتركني أتخلص من عاري وأقتل ذلك السافل . الأب : واخسر ابني ، وانا عبد العزيز فخري اسمي يموت معي . هدأ ابنه ، يا ابني لازم تتعلم وتسيبك من أمك وخيبتها ، أتعلم يا ابني كيف تعالج أمورك ، أمك بنت عمي يعني عرضي حتى لو ما كانت زوجتي ، وأكيد لن أترك قرداتي يخدعها ، مع أنها يا ابني تستاهل الحق يقال خمسة وعشرين سنة أمك طلعت روحي ومتحمل ،من أول ما غيرت اسمها وسمت نفسها هيام لحد ما القرداتي لعب عليها . بهت هاشم : هي ماما مسمهاش هيام .

عبدالعزيز : لا اسمها فتحية وكانوا ينادوها فيفي ولما رسبت في الدبلوم مرتين جدتك قالت أن السبب الجان ولازم تغير اسمها ، جدتك مدلعاها بنتها الوحيدة على أربع ولاد ،

ووقتها امك اختارت وغيرنا اسمها لهيام . خرج هاشم من حزنه بضحكة عفوية وهو ينظر لأبيه قائلا ، يا بابا أنا كل يوم أكتشف جديد حتى اسم امي لم أكن اعرفه . عبد العزيز : يا ريت نتنسى تربية أمك وتشوف حرفنة أبوك ، وأعدك كلنا نرتاح هاشم : خلاص حتقتله بمعرفتك ؟ عبد العزيز : يا ابني أتعلم بقول لك حرفنة تقول قتل ؟ بينما سيد مشهور ينفث دخان شيشته في جلسته مع أصدقاؤه من صفوة المحششين ، دخل رجل له هيبة ، ينادونه منذ دخوله أهلا يا سالم بك هز سيد رأسه ليفيق ، فلن يترك هذا الصيد ،

فإن لم يكن صيدا لابد ان ورائه مصلحة ما ، أقترب سيد من سالم معرفا نفسه ، د. سيد مشهور خبير ومدرب التنمية البشرية وعلم الطاقة ، بادله سالم السلام ، جلس سيد يخرج ما في جعبته من علم التأثير وطاقة الجذب ليتعرف على سالم ويبهره لكن سالم لم يهتم ، رمى سيد أذنيه ليشارك بالحديث ، لكن سالم كان مشغولا ، وهو يروي للرجل الذي بجواره عن ما حدث من مشكلة وكيف أن الناس تأكل بعضها حمدي :

فينك يا سالم بك محدش بيشوفك من زمن ؟ سالم : مشاغل يا حمدي بك ، وبعدين عندي قضية بنحلها والله كريم تنحل . حمدي : قضية خير قتل ولا خطف . سالم : لا أبدا دول ولاد فخري ، ولاد عزب فخري ماسكين في بعض على الورث . حمدي : ليه ما كل واحد عارف اللي له . سالم :

أختهم بتقول لها ورث وهم بيقولوا زوجها عبد العزيز أبو فخري أستلمه وكتبه باسم ابنه و هي عايزة تشكيهم لكن لا حتأخذ حق ولا باطل حمدي :بيقولوا الولية دي عبد العزيز طلقها ، يمكن بعد ما اخذ ورثها . سالم : عبد العزيز مين اللي يبص لورثها ده ملياردير ، وبعدين أبوها كان مديون قبل ما يموت وعبد العزيز كان بيسد للبنك الزراعي واشترى الأرض اللي بيقولوا ورثها نظير سداده عن عمه . حمدي: ينفخ الدخان قائلا ياه دنيا لها العجب . لم يستطع سيد ابتلاع ريقه وكتم نفسه ، هل ضاعت أحلامه ؟

كيف سيمول مشروعاته الفكرية ودار النشر التي كان يعتزم إقامتها ، كان ينوي فتح مركز تدريبي ، وكانت هيام تقول انهم لابد أن يفتحوا جامعة خاصة . لابد أن ينسحب الأن و إلا ستكون عبئا عليه .

لاحظت هيام ابتعاد سيد عنها ، لا انه لا يتهرب منها بل أنها أعماله ومؤتمراته ، كانت هيام قد تعرفت عليه من الفيس وتابعته وكم انبهرت به حتى أنها عندما حضر ليقيم دوراته التدريبية بسوهاج التحقت بها لتستفيد من علمه ، لقد غيرها كثيرا فخلال عام تغيرت بتأثيره ، أهتمت بمظهرها ، قرأت كل كتبه ،

اتخذت قرارات هامة بحياتها وانطلقت لحياة واسعة محطمة كل القيود التي تكبلها وتنغص حياتها وكان أكبرها عبد العزيز زوجها ذلك الرجل الطاغية التي تزوجته وهي فتاة صغيرة وهو رجل عجوز يكبرها بعشرين عاما ليحبسها بقصره ويقتل أحلامها . شهور مرت ،

كانت قد باعت كثير من مصوغاتها لتمول نشر كتب الدكتور سيد مشهور ، وتحلم معه بأن تقيم جامعة لعلوم الطاقة ، ستكون اول جامعة من نوعها بالشرق الأوسط ، سيحضر للتدريس بها علماء من كل دول العالم ، كان حلمهما كبيرا . بدأ يصدها وعاد للقاهرة مؤكدا أن لديه مشكلات كبيرة سيرويها لها بعد أن تنتهي ، أعذار وأعذار ، امها ضاقت بحالها وطلاقها ، ابنتها الصغرى ممزقة ما بينها وما بين أبيها ، زوج أبنتها الكبرى ينغص على ابنتها حياتها بسبب طلاقها ، جلست تجتر الأحداث وقد ضاق حالها ،

أتصل ابنها وكان مقاطعا لها منذ طلاقها هاشم : بابا تعبان وفي المستشفى أجرى عملية قلب مفتوح . هيام : سلامته . هاشم : أخبرك لأنه من الواجب أن تعرفي ، مع السلامة . أمها تحثها أن تزور عبد العزيز لتطمأن عليه انه ابن عمها وأبو اولادها ، بعد جهد وعناد ذهبت مع أمها لزيارة عبد العزيز دخلت مختالة بزينتها وهي تحرك راسها علامة العتاب ، فما كان من عبد العزيز إلا أن ضحك بشدة وهو الممنوع من أي انفعال ،

فاستبشرت أمها ، أما هي فأظهرت العناد والخصام وكأنه يطلب ودها وهي رافضة ، بينما أمها تدعوا له مستبشرة وتسأله ألن تذهب ساعة الشيطان وتعود المياه لمجاريها ، وهو يجب بكلمة واحدة الله كريم ، بينما هي تتحدث بكلمات جوفاء لا معنى لها، وتتمايل بعصبية ،

وهو ينظر بخبث ويعاود الضحك . انصرفت هي وأمها ، بينما مال هاشم على أبيه قائلا : أنت مسامح يا بابا ؟ عبد العزيز : اتعلم يا هاشم ، أختك حياتها مقلوبة ولو زوجها وأهله ما يخافوني كانوا عايروها بصراحة وبلا هوادة ، وأختك الصغيرة على وش جواز ،وانت سأخطب لك بنت المستشار أبو العز ، يعني أضيع كل ده عشان خيبة أمك . هاشم : بابا انا حزين اني لم أقترب منك ولم أفهمك طوال حياتي ويقبل يد أبوه .

أحضر هاشم أمه للبيت بعد عودة أبوه من المستشفى ، وصعدت لترى عبد العزيز ، فوجدته يطلب منها ان تساعده في تنظيفه بعد قضاء حاجته ، رغم أنه كان بصحة جيدة ولكن كان يتصنع العجز ، ورغم أنها طوال حياتها معه كانت مرفهة حتى أن أكبر إنجازاتها عندما أصيب بحادث كانت أن تروي تفاصيل الحادث والرعاية التي يتلاقها لقريباتها وصديقاتها بالهاتف ، لكن هذه المرة تختلف ،

صعد هاشم ليرى ما تفعله أمه متعجبا ، وحادث أبيه بأنه احضر اخواله والمأذون لترجع أمه ، تصنع عبد العزيز المرض وهو يقول ليه يا ابني تتصرف من دماغك ومن غير ما ترجع لنا ، أسرعت هيام قائلة : هو اتصرف من وحي المسؤولية ، كاد عبد العزيز ينفجر ضاحكا ، لكنه لم يفعل وأجاب :

أنت يا هاشم كبير الأن وكبير عائلة وكلمتك لا ترد ، أنزل مع أمك اشتري لها شبكة عروس تليق بمقامها وما ان انصرفت هيام منتصرة إلا وأشار لابنه بقولك أقتصد ومتصرفش أكثر من مائة جرام كفاية مخاسر .

بعد عدة شهور علم هاشم ما لم يعلمه طوال حياته ، فأمه خاوية العقل تماما ، شديدة التأثر بالأفلام والمسلسلات وتقلدها ، فعندما تزوجت أبوه عاشت دور ماجدة في أين عمري ،

و غيرت عدة مرات حسب ما يعرض بالشاشات ، وخجل عندما حكى ابوه ان أفضل فترات زواجه كانت فترة تألق نادية الجندي ، حيث لم تترك هيام فيلما إلا وشاهدته فيديو وقتها ، وأكثر ما أخجله قول أبوه : الحقيقة كانت فترة مبهجة صحيح امك وقتها شربت سجاير لكن لم يرها احد غيري ،

يلا الله يهديها ، ثم كانت فترة انطلاقها مع الفيس بوك فتارة ناشطة بالسياسة وتارة إعلامية حتى تعرفت بسيد مشهور ، وكان ما كان . عرف هاشم لما حرم والده ان يناديه أحد باسم الدلال الذي اختارته أمه ( مشمش ) ، كيف كان سيصبح كبيرا ويرث هيبة أبوه بهذا الاسم ؟

علم لما كان أبوه يذهب ليجالس المحششين بالغرز ، وتعجب من إجابة أبيه : يا هاشم رايح أقابل مسؤول مرتشي ،ولا واحد نصاب لمصلحة ، أقابله في بيتي ،ولا أقابله في الجامع في بيت الله ، أكيد بروح أقابله بالغرزة ،وبعدين دي غرز خمس نجوم في بيوت ناس وحاجة شغل فنادق يعني مهياش خص على ترعة ، واردف إجابته ضاحكا ،

رأى هاشم جانبا من والده لم يكن يعرفه ،رجل وسيم محافظا على صحته وهيئته ، متعقلا . اخيرا علم الجميع أن بالقبض على سيد مشهور فقد نصب على أحدى عائلات الشرقية المعرفة وأدعى انه سيستخرج لهم الآثار بعلم الطاقة وسحب منهم مبالغ كبيرة ووقع لهم شيكات بها ،

وهرب منهم لممارسة نشاطه بسوهاج ، لكن جهود سالم بك المحامي الخاص لعبد العزيز فخري مكنتهم من ملاحقة سيد وكلل جهده بالنجاح بالقبض عليه . ، هيام وامها لا تكلا ولا تملا من ذكر الحادث المرعب وكيف كتبت لهم النجاة بعد أن أخرجوا العمل السفلي و

تم إبطاله ، كان عملا بالفرقة وكان لابنتها وزوجها لكن الحظ جعلها هي من تطأه بقدمها وكان ما كان ، وقد تحملت هي والحاج عبدالعزيز فداء لابنتهم ، وعزز الحاج عبدالعزيز ذلك بذبح عجلين حلاة إبطال العمل الأن هاشم متيقن أن والده عميد المحترفين ، أصبح يصاحبه كتلميذ نجيب ،

لكن ما يخجله عادة إذا ما طلب أبوه منه أن يخبره عن فنانة الساعة والمسلسل القادم لتعرف على الشخصية التي سيعيش معها تلك الفترة .