أخبار عاجلةالمنطقة الحرةسلايدرسياحة وسفرشئون مصرية ومحليات

الدكتور” ياسر شهاوى” يكتب ل “المحروسة نيوز” عن السياحة في زمن الكورونا المستجد COVID-19 تسونامي 2020.. الواقع والحلول والمستقبل

الفيروس يضرب السياحة والسفر والضيافة والاقتصاد والأعمال المرتبطة بها

في يوم 21 أبريل، 2020 | بتوقيت 6:30 صباحًا

يعيش العالم الآن مع تفشي وباء كورونا المستجد حربٍ عالميةٍ ثالثة (أم الحروب العالمية) مع عدو خفي يؤثر على كافة مناحي الحياة، تسونامي مختلف يهدد وجود الإنسان على وجه الأرض بشكلٍ مرعب، ويعيد صياغة العالم ونمط الحياة وأولويات البشر.

ومع وصول أعداد الإصابات المعلنة للملايين حول العالم والوفيات تلامس 100ألف وفاة وإن كانت بعض التقارير الواقعية تشير لرعب الأرقام الحقيقية، وقد أثر التهديد على نمط حياة الإنسان وانكماش اقتصاديات العالم وانهيارها مع عدم وجود بارقة أمل في القريب العاجل للتعافي.

إلا ان هذا العدو الخفي فرض وقف لأصوات الحروب والمدافع ومنح فرصة ثمينة للبيئة والطبيعة لاسترداد عافيتها وقدرتها على الاستدامة في المستقبل والتي كانت بعيدة المنال مع الثورة الصناعية والاقتصادية والأنشطة المدمرة للبيئة والتدهور الناتج عن زيادة انبعاث الكربون واستخدام البلاستيك وعدم احترام البيئة وتنوعها البيولوجي وطاقتها الاستيعابية والنفسية.

ولا شك أن السياحة كصناعة خدمات اقتصادية حساسة جداً للمتغيرات المختلفة الدولية والمحلية، لكنها في هذه الحالة تواجه أزمة لا يوجد لها مثيل ولا أتذكر أني قرات او عشت مثلها أبداً، خصوصاً مع انتشار جائحة كورونا وتهديدها لدول العالم المتقدمة قبل دول العالم النامية.

فقد توقفت حركة البشر والفعاليات المحلية والعالمية واختفت معه كل أشكال الحشود ونتج عن ذلك توقف حركة الطيران والسفر حول العالم ولم يعد النقل الجوي قادراً على الوقوف على قدميه من جديد مع إلغاء ملايين الرحلات وعشرات الملايين من المقاعد وخسائر تجاوزت مئات المليارات من الدولارات فقد فقدت السياحة دم الحياة لأنشطتها.

كما ان صناعة الضيافة كانت الخاسر الأكبر حيث خلت الوجهات السياحية والفنادق حول العالم من ضيوفها وزبائنها وتحولت لمدن أشباحٍ مخيفةِوتم الغاء أو تأجيل الفعاليات المرتبطة بالأعمال والرياضة والاجتماعات والمؤتمرات وأنشطة المعارض.

ولطالما تباهت دول العرض السياحي بالسياحة كصناعة كثيفة توظيف الأيدي العاملة المباشرة والغير مباشرة في التعامل مع التدفق والطلب السياحي حيث تخلق فرص عمل مضاعفة وتدر دخل أساسي في اقتصاديات الدول وتوازن ميزان المدفوعات وتثري الناتج المحلي الإجمالي، وتساهم بفعالية في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات المحلية حول العالم.

إلا أن جائحة كورونا المستجد (COVID-19) جعلت العالم يستيقظ على كابوس فقدان ملايين الوظائف حول العالم وبشكل أزمة كبيرة لم ولن تخطر على بال أحد الاستعداد لها حتى خبراء التخطيط والإدارة والدراسات المستقبلية باستخدام مبادئ مثل الوقاية خير من العلاج وتطبيق مبادئ المنع لحدوث الأزمات.

وإذا كانت هذه الجائحة تهدد حياة البشر حول العالم وتعيد اقتصاديات الدول المتقدمة والنامية للعام 2000م ومع حدوث هذا الكساد الكبير والتداعيات الخطيرة.

هل يمكن الحديث عن مستقبل صناعة السياحة والسفر والضيافة والترفيه !! أعتقد أن العالم قد تغير تماماً ولن يكون قادراً على العودة مرة أخرى لطبيعته بحلول العام 2022 بعد سنوات من بداية التعافي والنهوض حيث الاهتمام حاليا بأكثر من 3 مليار شخص حول العالم قيد الحجر المنزلي الإلزامي أو المسبب لمنع انتشار الجائحة الخطيرة وتقليل تفشي الوباء.

وحديثاً ووفقاً لما نشرته نيويورك تايمز نقلاُ عن Earnest Research وكما هو مبين من الشكل التالي أن صناعة السفر والسياحة كانت أكبر الصناعات الخاسرة بسبب تفشي وباء كورونا COVID-19 بالإضافة إلى التسوق والنقل والمطاعم والترفيه والانفاق على الصحة والجمال مع بقاء الناس في البيت في حين ارتفعت مبيعات البقالة أو محال التموينات الصغيرة والطعام والشراب بالتجزئة، وعلى الرغم من أن الإحصائيات تخص الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنها يمكن تعميمها على دول العالم كمتوسطات للوضع الحالي بعد الجائحة كنتيجة للتغير في سلوك المشترى والعملاء حول العالم للخدمات والسلع.

ولا شك أن استمرار الاستنزاف الحاد الناتج عن وباء الكورونا (COVID-19) وتفشيه في دول العالم والارتفاع الحاد في أعداد الإصابات والوفيات وما يترتب على ذلك من مزيد من إجراءات فرضت على إثرها العديد من الدول عمليات الإغلاق الكلي للاقتصاديات والإنتاج وحظر التجول للسكان وإغلاق للحركة بين الحدود، فأصبح العالم في انعزال عشوائي مبعثر ومتفكك وغير مترابط يرسم صورة قاتمه لإمكانية الاستعادة للوضع الطبيعي لما كان عليه في أواخر العام 2019م.

ولعلنا اليوم  هذه القائمة نبحث عن احصائيات الإصابات والوفيات بوباء الكورونا المستجد (COVID-19) في الوجهات السياحية العشرة الأولى على مستوى العالم من حيث أعداد السائحين:

1. فرنسا عدد الإصابات 100.000 والوفيات 15000شخص (تستقبل أكثر من 90 مليون سائح سنويا)

2. اسبانيا عدد الإصابات 175.000 والوفيات 17000شخص (تستقبل أكثر من 85 مليون سائح سنويا)

3. الولايات المتحدة الامريكية عدد الإصابات 550.000 والوفيات 22000 (تستقبل أكثر من 79 مليون سائح سنويا)

4. الصين عدد الإصابات 85000 والوفيات 4000 (تستقبل أكثر من 68 مليون سائح سنويا)

5. إيطاليا عدد الإصابات 160000 والوفيات 20000 (تستقبل أكثر من 65 مليون سائح سنويا)

6. تركيا عدد الإصابات 70000 والوفيات 1300(تستقبل أكثر من 53 مليون سائح سنويا)

7. المكسيك عدد الإصابات 4000 والوفيات 250 (تستقبل أكثر من 45 مليون سائح سنويا)

8. تايلاند عدد الإصابات 2600 والوفيات 40(تستقبل أكثر من 40 مليون سائح سنويا)

9. ألمانيا عدد الإصابات 130000 والوفيات 3200 (تستقبل حوالي 40 مليون سائح سنويا)

10. بريطانيا عدد الإصابات 85000 والوفيات 11000(تستقبل حوالي 37 مليون سائح سنويا)

ومع حالة عدم اليقين التي يعيشها العالم الآن يشير السيناريو المتفائل الى فقدان حوالي 100 مليون وظيفة مباشرة حول العالم في صناعة السياحة والسفر على الرغم من أن بيانات مجلس السياحة والسفر العالمي تشير الى فقدان 50 مليون وظيفة.

  وفيما يخص المقصد السياحية المصري ووفقاً لبيانات تقرير برنامج الإصلاح الهيكلي لتطوير قطاع السياحة فقد حققت مصر المركز الرابع عالمياً بين الأعلى نمواً في الأداء في بيانات مؤشر تنافسية السياحة والسفر، والمركز الخامس عالمياً في استراتيجية الترويج والتسويق عالمياً مع العام 2018-2019م وثاني أعلى معدل في تحسن مؤشر السلامة والأمان في العالم،

حيث ارتفعت متحصلات السياحة المصرية لتحقق حوالي 13 مليار دولار العام 2018-2019م لتحتل بها المركز الثالث في مصادر الدخل القومي المصري بعد تحويلات المصريين في الخارج والصادرات الغير نفطية.

وفي العام 2019 بلع عدد السائحين حوالي 14مليون سائح وبنسبة نمو أعلى من 20% متصدرةً لبيانات الشرق الأوسط مقارنة بالعام 2018م مقارنةً بنسبة نمو حوالي 4% عالمياً،

وتوفر صناعة السياحة حوالي 1.1 مليون وظيفة مباشرة وأكثر من 1.3مليون وظيفة غير مباشرة بنسبة 10% من نسبة الوظائف في مصر، وفي نفس السياق تشارك صناعة السياحة والسفر بنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.

ولا شك أن الواقع الآن أصبح مؤلماً على صناعة السياحة والسفر والضيافة المصرية نتيجة استمرار الاستنزاف الحاد الناتج عن وباءً الكورونا (COVID-19) وتفشيه في دول العالم حيث انعدمت حركة السياحة والطيران ولم يعد السفر والسياحة والترفيه ضمن أولويات الملايين من الناس حول العالم، مما ألقى بظلالٍ قاتمه على مستقبل الملايين من الوظائف وكذلك العائدات على الاستثمار ومصادر الدخل القومي في المستقبل القريب، وأحدثت حالة عدم اليقين أزمة كبيرة بين العاملين والإدارات في كل المؤسسات السياحية المصرية. 

ونظراً لضخامة التأثير الناتج عن الوباء وعدم الاستعداد له كأزمة كبيرة لم يحدث لها مثيل في التاريخ المعاصر، فيجب الإشارة إلى مجموعة من العناصر لتخطيط المستقبل لصناعة السياحة والسفر والضيافة والترفيه في مصر لنضمن أدارة الأزمة وتخفيف الأثر، وتقديم الحوافز المطلوبة لتسريع الانتعاش والتعافي، والاستعداد للمستقبل وعودة الملايين من السياح للمقصد السياحي المصري فيما بعد.

أولاً: الاهتمام الحكومي والرعاية الحكومية لدعم ملايين الوظائف في قطاع السياحة والسفر والضيافة والإرشاد السياحي في مصر من خلال تقديم دعم مالي لهذه الوظائف بما يحقق اكتفائهم ذاتياً خلال فترة الوباء وحتى استقرار الأوضاع طالت أو قصرت مع برامج تدعيم المجتمعات المحلية المرتبطة بالسياحة.

ثانياً: الاهتمام الحكومي والرعاية الحكومية لشركات ومؤسسات السياحة والضيافة المصرية من خلال إدارة النفقات وتأجيل الرسوم الحكومية وتغطية الحد الأدنى المتوقع من العائد على الاستثمار ضماناً لبقائهم في الصناعة وعدم اعلانهم الإفلاس والانهيار على غرار توماس كوك الإنجليزية.

ثالثاُ: إنشاء صندوق قومي لإدارة أزمات قطاع السياحة والسفر والنقل والضيافة (فنياً وإدارياً ومالياً) يدار بواسطة لجنة مشتركة من الدولة والقطاع الخاص بحيث يتاح تغذية الصندوق أوقات الرخاء وتقديم الدعم للقطاع أوقات الأزمات.

رابعاً: استمرار الحد الأدنى من التسويق والترويج للوجهة السياحية المصرية لجذب الحركة السياحية الكامنة لما بعد الانتهاء من فترة الجائحة الحالية.

خامساً: تفعيل برامج إثراء البنية الأساسية والمحتوى السياحي الإلكتروني والإدارة الإلكترونية للسياحة والتسويق السياحي الإلكتروني وأعمالهم المرتبطة.

سادساً: البحث والتطوير في نظم الإدارة السياحية وتطويرها فيما يخص علاقة الإدارات والموظفين والعملاء داخل المؤسسات والشركات السياحية لتحقيق أفضل الممارسات الإدارية للموارد البشرية.

سابعاً: الاهتمام بتطبيق المعايير البيئية والاستدامة لموارد الوجهات السياحية في مصر وصونها وإدارتها بأسلوب وفكر بيئي لتحقيق المنافسة العالمية وإعادة صياغة العرض السياحي للوجهات السياحية.

ثامناً: إدارة الأزمة المالية الحالية لقطاع الطيران والنقل السياحي لضمان قوة القطاع الخاصة بالتشغيل والموارد البشرية لما بعد الازمة وضمان عدم فقدان الوظائف داخل هذا القطاع المهم.

تاسعاً: التفكير في السوق الخاص بالسياحة الداخلية والأسواق البديلة للأسواق الدولية واتخاذ قرار فيما يخص الاختيار بين البدائل وتحديد الأولويات بما يخفف تأثير الأزمات الشديدة التي يتعرض لها قطاع السياحة باستمرار.

عاشراً: ضمان التواصل والاتصال المستمر مع منظمي البرامج السياحية الدوليين والمشغلين الدوليين والبقاء على اتصال مع الأسواق السياحية الدولية لبحث الأزمات والفرص وعوامل القوة وإمكانية استثمارها بمجرد الانتهاء من تأثير هذه الجائحة الكبيرة.

ولعلي في هذه الظروف الصعبة عند التفكير في الحلول لمواجهه هذه الجائحة اتذكر لقاء منذ 16 سنة في صيف العام 2004 عندما تحدثت مع عالم النبات والبيئة المصري ورئيس الاتحاد الدولي لصون البيئة والموارد الطبيعية دكتور/ محمد القصاص رحمه الله (الميلاد1921- الوفاة 2012م) عندما التقيته في مكتبه بكلية العلوم جامعة القاهرة للحديث عن فرص السياحة في الأراضي الرطبة، حيث دار الحوار عن قضايا البيئة والمياه والمناخ في العالم ومصر، ورأى أنه (لا يوجد من لا يهمه الأمر) وأن العالم كله يجب أن يهتم ويشارك بحلول القضايا المصيرية المشتركة للنمو والتنمية، ولم يعد هناك مجال لترك الدول الفقيرة تصارع البقاء وتواجه مصيرها المحتوم في التلوث والتخلف والأمية والأمراض واستنزاف الثروات من الحروب والنزاعات، وأن من واجب الدول المتقدمة المساعدة في زيادة ونشر التعليم والصحة والتقدم والازدهار والحرية حتى ينعم العالم بالسلام والرخاء المشترك والتنمية العادلة المشتركة.

ومع التأكيد على أن العالم بعد هذه الجائحة لن يعود أبداً كما كان قبلها، فلعل المستقبل بعد 2020 يحمل أخباراً إيجابية لعالم يحبس أنفاسه وتنجح المحاولات الدولية في إيجاد لقاح لعلاج تفشي وباء الكورونا المستجد (COVID-19) وبعد معرفة مصدرة الحقيقي والكشف عنه مما يخفف القيود الاجتماعية المفروضة على الناس وعودة الحركة العادية أولاُ ثم تعود تدريجياً الاقتصاديات السياحية للانتعاش مرة أخرى.

وإن كان قدر صناعة السياحة والسفر والضيافة أنها صناعة حساسة جدا جداُ للأزمات تحتاج الى وضع بروتوكول دولي وميثاق شرف أخلاقي لإدارة الأزمات السياحية لضمان الأخلاق، وحقوق كلاً من البيئة، السائح، العاملين، المستثمرين، المجتمع المحلي، الدول، الاقتصاد، نشر السلام والتسامح والأمان. وإن شاء الله ستعود حركة السفر والتنقل والرحلات التي تربط بين دول العالم مهما طالت الأزمة وسيعود الانتعاش مرة أخرى من جديد، وستنتعش صناعة الضيافة والحشود والمؤتمرات والمعارض وأنشطتها المرتبطة، ويجب الاستعداد للأزمات المشابهة والتي دائما ما تتعرض لها صناعة السياحة والسفر والترفيه وإداراتها سواءً على المستوى الدول أو الأقاليم أو العالم.

كاتب المقال 

الدكتور ياسر مصطفى شهاوى

أستاذ الإدارة السياحية المشارك

كلية السياحة والفنادق-جامعة مدينة السادات-مصر

[email protected]

   

مقالات ذات صلة