يسألونك عن الأحزاب، قل: منها من يمشي على بطنه، ومنها من يمشي على رجلين، ومنها من يمشي على أربع، ومنها الكسيح، ومنها من ليس له في العير ولا في النفير، ومنها من يجدع ولا يجيب الحجارة، بالرغم من أنها تتمتع بأسماء رنانة؛ مثل: أحزاب “حركة القوى الجديدة”، و”حركة الحسم المجيدة”، و”حركة الأنا العنيدة”، و”حركة الأيام السعيدة”، لكن إنْ هي إلا أسماءٌ سمَّوها، ما أنزل الله بها من سلطان.
وإذا نظرنا إلى واقع الأحزاب، وجدنا أن منها ما لديه من عضوية وجمعية عمومية لا يزيد عن عدد ركاب أوتوبيس أو ميكروباص!
سافرت مصر ثلاث مرات مع الأحزاب: الأولى في مطلع القرن الماضي حتى جاءت حركة يوليو 1952وقضت عليها، والثانية كانت في منتصف سبعينيات القرن الماضي مع الرئيس السادات، واستمرت خلال فترة الرئيس مبارك، وكانت مجرد ديكور لتجميل وجه النظام، إيهام العالم بأن لدينا أحزابًا وتجربة حزبية ديمقراطية حقيقية، والثالثة بعد ثورة 25 يناير؛ حيث تشكلت أحزاب لا حصر لها، ولكن لم نرَ لها وجودًا أو مشاركة فعالة بتقديم أي شيء يذكر، ولو معارضة شكلية للحكومة، مثلما كانت تفعل في فترة مبارك.
والذي دعاني للحديث عن الأحزاب، مشكلة سد النهضة؛ فلم نسمع لها صوتًا أو رأيًا، كما لم تحرك ساكنًا تجاه انتخابات مجلس النواب، والمجالس المحلية التي اقترب أجلها، فسألت بعض المواطنين عن دور الأحزاب وعمليات التنسيق فيما بينها للانتخابات القادمة، فأجابوا بأنَّهم لا يعرفون عنها شيئًا، بل حتى لا يعرفون أسماءها!
وبالفعل، من يتابع واقع الأحزاب خلال السنوات الماضية، لا يجد لها شيئًا ملموسًا، شاركت فيه، أو قدمته حول رؤيتها لمستقبل البلد؛ لذا فإن من شارك في عضوية تلك الأحزاب، لم ينلْ غير وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب؛ فهي تشبه أسلحة الدمار الشامل، إذا استمعت إلى بعض قياداتها تشعرك بأنها تمتلك الشعب كله، وأنه رهن إشارتها، وأنها قادرة على تحريك الرأي العام!!
إنَّ عدم معرفة رجل الشارع باسم حزب واحد، مع قرب الانتخابات البرلمانية، لدليلٌ قاطع على هشاشة الحياة الحزبية في مصر، بالرغم من الزيادة العددية الكبيرة لتلك الأحزاب؛ إذ ليس لها حضور سياسي ملموس، ولا اجتماعي محسوس، بل إن معظمها لا وجود له في أذهان الناس؛ إذ لا تقدم النموذج الفعلي للأحزاب الجادة، التي تتمتع بالقدرة على المشاركة في تنمية بلادها.
وإذا ما واجهت تلك الأحزاب بحقيقة عدم استشعار المواطن بها، فإنها تتهمك بأنك مُغرض، بل لا تعترف بأخطائها، ولا تفكر في الاعتذار للشعب عن عدم مشاركتها في قضايا ومشاكل البلد.
حين أٌسست الأحزاب في بداية القرن الماضي على يد الزعيم مصطفي كامل، كان همها الاستقلال، وطرد المحتل، وحصول الشعب على حريته، وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي، كان همها الديمقراطية، وبناء مصر بعد الحرب، وإحداث التنمية، ثم بعد ثورة 25 يناير، تحدثت عن العيش، والحرية، والكرامة الإنسانية، لكنها لم تفعل شيئًا، بل خالفت كل قواعد قيام الأحزاب في العالم؛ إذ لاذت بالصمت، ولم نعد نسمع لها همسًا!
وهنا نسأل الأحزاب: لماذا لا نسمع لكم صوتًا مثل أحزاب العالم التي تشارك في قضايا بلادها، وتساعد حكوماتها في التنمية والتقدم، فالأحزاب في الخارج تتحرك كالزلزال، وتجري كأمواج البحر، وتقف كالجبال؛ من أجل مصالح بلادها، والمشاركة الفعالة في تنميتها، وليست عالة على الشعب؟ فلن تجد من يجيب!
إنَّ المراقب لوضع الأحزاب، يرى مدى عجزها عن التواصل مع الجماهير، بل إنَّ كل أمانيها أن تتواصل مع الحكومة، بدليل أنها لم تبدِ رأيها في أية قضية تهم المواطن، ولم تطرح حتى رؤية للتطوير، أو تحقيق التنمية.
فكيف إذًا ستطلب الأحزاب من الجماهير مساندتها في الانتخابات القادمة دون أن تقدم لها شيئًا يُذكر؟!
إنَّ المشكلة الأساسية في الأحزاب في مصر، اعتمادها على الشخص الواحد، فإن سألوك عن الأحزاب، فقل: أحزاب نقص المناعة المعرضة للانهيار في أية لحظة؛ لعدم وجود قاعدة شعبية لها.
عضو مجلس نقابة الصحفيين