لم يعد خافيًا أن الرياضة، التي وُجدت لتكون مساحة للتقارب بين الشعوب، أصبحت في السنوات الأخيرة أداة تستخدمها مراكز القوى العالمية لفرض أنماط ثقافية وقيم اجتماعية لا تعبّر عن جميع المجتمعات.
وما يتردد مؤخرًا بشأن ربط مباراة محتملة بين مصر وإيران في إطار كأس العالم 2026 بفعاليات ثقافية تتعلق بمفاهيم ترفضها الأغلبية الساحقة من الشعوب الإسلامية وهى الميثلية، يفتح الباب أمام سؤال مشروع:
من يملك الحق في فرض نمط ثقافي واحد على عالم متنوع؟
القضية هنا ليست مباراة كرة قدم، ولا منتخبين وطنيين، بل صراع واضح بين مبدأين:
مبدأ “العولمة الثقافية القسرية”،
ومبدأ “حق الشعوب في حماية هويتها وثقافتها وقيمها الدينية والاجتماعية”.
إن اختيار دولتين بحجم مصر وإيران، بما تمثلانه من عمق حضاري وثقل سياسي وديني، لا يمكن قراءته باعتباره مصادفة.
بل يراه كثيرون رسالة ضغط رمزية تستهدف كسر الحواجز النفسية لدى الشعوب الإسلامية، عبر بوابة الرياضة التي يعشقها الملايين.
نحن هنا لا نهاجم أحدًا، ولا نصادر حق أي مجتمع في تبني القيم التي يراها لنفسه، لكننا في الوقت ذاته نؤكد مبدأً عالميًا ثابتًا:
كما تحترمون خيارات مجتمعاتكم، عليكم احترام خيارات مجتمعاتنا.
حرية الشعوب لا تتجزأ.
ولا يجوز أن تتحول البطولات الدولية إلى منصات لفرض ثقافة بعينها تحت شعارات زائفة من “الانفتاح” أو “التقدم”.
الأكثر خطورة في المشهد، هو صمت كثير من المؤسسات الدولية عن هذه الممارسات، وكأن العالم بات يُدار بمعادلة واضحة:
إما أن تقبل ما يُفرض عليك، أو تُصنّف كعدو لـ”القيم الحديثة”.
وهنا أتساءل بوضوح:
متى تدرك المؤسسات الرياضية العالمية أن احترام الثقافات ليس خيارًا تجميليًا، بل مبدأً أساسيًا لاستمرار الثقة بينها وبين الشعوب؟
إن كرامة الشعوب العربية والإسلامية ليست ورقة تفاوض.
وهويتها ليست مادة للعبث.
وقيمها ليست قابلة للمساومة مهما كانت المغريات أو التهديدات.
لسنا ضد الرياضة، ولسنا ضد التواصل بين الشعوب، بل نحن ضد تحويل الرياضة إلى منصات اختبار لمدى خضوع الشعوب ثقافيًا وفكريًا.
وإن ثبتت صحة هذه الأنباء، فإن الموقف الطبيعي والواجب هو موقف رسمي واضح يحمي اسم مصر وإيران من أي توظيف ثقافي أو سياسي يتعارض مع عقائد شعوبهم، في إطار الاحترام المتبادل، لا في منطق الإملاءات.
ختامًا…
حرية الشعوب في حماية ثقافتها ليست جريمة.
والتمسك بالقيم ليس تطرّفًا.
والرفض الحضاري ليس كراهية.
بل هو حق مشروع تكفله كل المواثيق الإنسانية الحقيقية.


