ليس افتتاح المتحف المصري الكبير حدثًا ثقافيًا فحسب؛ بل هو نقطة تحول استراتيجية يمكن أن تغيّر شكل النشاط السياحي في مصر وتعيد توزيع مراكز الجذب والحركة الاقتصادية في العاصمة، بما يتجاوز فكرة كونه صرحًا أثريًا ضخمًا إلى كونه قاطرة لإعادة تنشيط منظومة اقتصادية كاملة.
فالمتحف الذي استغرق إنشاؤه أكثر من عقدين، واستثمرت فيه الدولة مليارات الجنيهات، يأتي كمشروع وطني له امتدادات تتجاوز قطاع السياحة إلى مجالات الثقافة والاقتصاد والتنمية العمرانية. ومع توقعات بوصول عدد زائريه إلى ما بين 5 إلى 7 ملايين زائر سنويًا خلال سنوات التشغيل الأولى، فإن السؤال الأهم ليس: كم سيزور المتحف؟ وإنما: كيف ستستفيد الدولة والمجتمع من هذا التدفق؟
تغيير مركز الجذب السياحي من “القاهرة القديمة” إلى “القاهرة المتجددة”
لطالما تركزت السياحة الثقافية في القاهرة حول المتحف المصري بالتحرير، والآثار الإسلامية القديمة، ومتاجر وسط المدينة.
أما اليوم، فينقل المتحف المصري الكبير مركز الثقل السياحي إلى الجيزة، على مقربة مباشرة من الأهرامات؛ ما يخلق دائرة جذب جديدة تجمع بين:
- زيارة أثرية
- تجربة معاصرة
- مناطق ترفيه
- وامتداد عمراني مخطط
هذا التحول يعيد تشكيل حركة الزائرين داخل القاهرة، ويربط بين الأصالة والحداثة في نقطة واحدة.
أثر مباشر على المنشآت الفندقية والمطاعم
ارتفاع حركة السياحة الوافدة إلى مصر، التي بلغت 15.7 مليون سائح في 2024 والمتوقع ارتفاعها إلى 18 مليون في 2025، ينعكس بشكل مباشر على الفنادق والمطاعم في منطقة الجيزة.
وقد بدأت مظاهر الانتعاش تظهر بالفعل عبر:
- ارتفاع نسب الإشغال إلى مستويات تقترب من 80% في فترات الذروة
- توسع الفنادق في عروض الإقامة + الزيارة
- زيادة الطلب على المطاعم والمقاهي السياحية المجاورة للمتحف
لكن القيمة الاقتصادية الأهم ليست في العدد، بل في نوعية الزائر؛ فالسائح الثقافي هو الأعلى إنفاقًا والأطول إقامةً.
فرص استثمارية تحتاج إلى رؤية متكاملة
افتتاح المتحف لن يصنع طفرة مستدامة ما لم يواكبه:
- تحسين منظومة النقل السياحي والربط المروري الذكي
- دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة حول المتحف
- تنظيم أنشطة تجارية وثقافية مستمرة
- إدارة متوازنة للبيئة العمرانية المحيطة لتجنب التوسع العشوائي
بمعنى آخر: المتحف وحده ليس كافيًا؛ بل هو بداية لبناء اقتصاد سياحي متكامل.
المتحف كمشروع حضاري وليس مجرد موقع للزيارة
مركز الترميم، معامل البحث، قاعات العروض التفاعلية، المساحات المفتوحة للفنون، جميعها تمنح المتحف دورًا في صناعة الوعي الثقافي وليس عرضه فقط.
وعندما يتحول الموقع إلى منصة للمعرفة والتفاعل، تتحول الزيارة من فعل استهلاكي إلى تجربة إنسانية ممتدة.
خلاصة القول
إذا أُحسن توظيف افتتاح المتحف المصري الكبير، فإننا لا نكون أمام نجاح سياحي محدود، بل أمام إعادة صياغة كاملة لمعادلة السياحة في مصر، حيث تصبح القاهرة ليس فقط مدينة للتاريخ القديم، بل أيضًا مدينة للمستقبل الثقافي.
السؤال المطروح الآن:
هل سنكتفي بالمتحف كحدث افتتاح كبير؟
أم سنحوّله إلى رأس جسر لاقتصاد ثقافي متجدد يغير شكل الحياة حوله لسنوات طويلة قادمة؟



