
في ليلة استثنائية جمعت بين التاريخ والسياسة والثقافة، أحيا المركز الثقافي الروسي بالقاهرة ذكرى مرور خمسة وخمسين عامًا على رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، في ندوة حضرها عدد من المؤرخين والمفكرين وأبناء الزعيم الراحل، مؤكدين أن “ناصر لا يزال حاضرًا بقوة في القلوب والعقول”، ليس في مصر وحدها، بل في أنحاء العالم كافة.
ناصر.. رمز خالد رغم الغياب
رغم مرور أكثر من نصف قرن على رحيله، لا يزال جمال عبد الناصر يتصدر المشهد المصري والعربي والعالمي. فقد رفعت صوره في انتفاضة يناير 2011، كما حذّر الأمريكيون في 30 يونيو 2013 من عودة “ناصر جديد”، في دلالة على قوة حضوره وتأثيره العابر للأجيال.
محمد نوار: ثلاث محطات تاريخية تربط مصر بروسيا
أدار الندوة الكاتب الصحفي محمد نوار، مشيرًا إلى أن العلاقة بين عبد الناصر وروسيا تجسدت في ثلاث محطات كبرى:
-
بناء السد العالي، الذي أصبح رمزًا للتعاون بين الشعبين.
-
الثورة الصناعية التي شملت أكثر من 1200 مصنع بدعم روسي مباشر.
-
حرب أكتوبر 1973 التي انتصرت فيها مصر بالسلاح الروسي.
فاديم: عبد الناصر رسّخ العلاقات المصرية الروسية
أكد الدكتور فاديم، رئيس المراكز الثقافية الروسية في مصر، أن العلاقات بين البلدين تمتد لسنوات طويلة من التعاون في مختلف المجالات، من بناء السد العالي والتنمية الصناعية، مرورًا بالتعاون الثقافي وتبادل الخبرات، وصولًا إلى مشروع محطة الضبعة النووية.
وقال: “الشعب الروسي يحمل مشاعر طيبة تجاه عبد الناصر، الذي كان السبب الرئيسي في ترسيخ العلاقات المصرية الروسية، وكان شخصية عالمية ذات تأثير كبير.”
.

عبد الحكيم عبد الناصر: الروس كانوا الصديق النبيل لمصر
أوضح المهندس عبد الحكيم جمال عبد الناصر أن الاتحاد السوفيتي كان “الصديق النبيل” لمصر، حيث دعمها بعد رفض الغرب تزويدها بالسلاح عبر صفقة الأسلحة التشيكية، كما عوض انسحاب التمويل الغربي عن مشروع السد العالي، الذي أُنجز بمساعدة الخبراء الروس دون أن تتحمل مصر ديونًا.
وأضاف أن مشروع السد العالي أحدث نقلة نوعية في الزراعة المصرية، إذ مكّن من زراعة الأرض أكثر من مرة في العام، فيما شهدت مصر في عهد والده ثورة صناعية حقيقية جعلت المنتجات المصرية تُصدَّر للعالم، حتى أعلنت الدولة عام 1968 أن حجم الاستيراد أصبح “صفر”.
كما لفت إلى أن الاتحاد السوفيتي دعم مصر بقوة بعد نكسة 1967، وزودها بأحدث أسلحة حلف وارسو، وساهم في بناء حائط الصواريخ الذي كان أساس الانتصار في حرب أكتوبر.
جمال شقرة: ثورة يوليو غيرت وجه مصر
اعتبر المؤرخ الكبير د. جمال شقرة أن ذكرى رحيل عبد الناصر “مناسبة حزينة لكنها عظيمة”، مشيرًا إلى أن الفترة الذهبية في تاريخ مصر كانت بين 1952 و1970.
وأوضح أن ثورة يوليو غيّرت البنية التحتية للمجتمع المصري، وأتاحت الحراك الاجتماعي لأبناء الفلاحين والعمال والطبقة المتوسطة ليصبحوا أطباء ومهندسين.
وأكد أن صفقة الأسلحة التشيكية كانت أحد الأسباب الرئيسية للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، لأنها كسرت احتكار الغرب للسلاح. وأضاف أن الاتحاد السوفيتي صحح رؤيته لثورة يوليو سريعًا بعد إدراك طبيعة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي أحدثتها، فأصبحت الثورة نموذجًا ملهمًا لحركات التحرر في العالم الثالث.
صبري العشماوي: الشعب المصري قادر على المعجزات
من جانبه، أكد المهندس صبري العشماوي، رئيس جمعية بناة السد العالي، أن ناصر سيظل رمزًا خالدًا في تاريخ الأمة، مستعيدًا مقولته الشهيرة:
“الشعب المصري الذي بنى الأهرامات إجلالًا للموتى، قادر على بناء السد هرماً جديداً تقديرًا وتكريمًا للحياة.”
أصوات متعددة في ليلة الوفاء
وشهدت الندوة أيضًا مداخلات لعدد من الشخصيات العامة وأعضاء الجمعيات المصرية الروسية، بينهم:
-
د. مسعد عويس، نائب رئيس الجمعية المصرية لخريجي الجامعات الروسية.
-
د. ناصر وهدان، عضو الجمعية المصرية الروسية.
-
د. تريزا فرج، سفيرة مركز السلام المصري الدولي.
-
د. أيمن جمعة.
-
الأستاذة سارة ساويرس.
-
الأستاذ إيهاب السيد، سفير السلام الدولي.
-
الأستاذة هبة الجندي.
ناصر.. التاريخ الحي
أجمع المشاركون على أن جمال عبد الناصر يظل حاضرًا في الضمير الوطني والعربي، وأن مبادئه الوطنية والقومية ما زالت تلهم الأجيال الجديدة، مؤكدين أن سيرته ومسيرته ستبقى “تاريخًا حيًا”، يتجاوز حدود الزمان والمكان.



