أخبار

“سعيد جمال الدين” يكتب : مصر تقود المتوسط نحو اقتصاد أزرق ومستقبل بيئي أكثر صمودًا

في يوم 30 سبتمبر، 2025 | بتوقيت 2:00 مساءً

حين تفتح القاهرة أبوابها في ديسمبر المقبل لاستضافة مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين لاتفاقية برشلونة، فإنها لا تستضيف مجرد اجتماع دولي بروتوكولي، بل تتسلم قيادة إقليمية ودولية لمستقبل البحر الأبيض المتوسط، أحد أكثر بحار العالم حساسية وتعرضًا للتلوث والضغوط المناخية.

لقد بات البحر المتوسط، الذي حمل عبر القرون حضارات وتجارة وتبادلًا ثقافيًا بين شعوب ضفتيه، يواجه اليوم تحديات وجودية: تلوث بحري متزايد، نفايات بلاستيكية خانقة، ضغوط سياحية وصناعية، وتغيرات مناخية تهدد السواحل والمجتمعات الساحلية.

الاقتصاد الأزرق… عنوان المرحلة

أن تحدد مصر، بالتعاون مع سكرتارية الاتفاقية، المحور الرئيسي للإعلان الوزاري تحت شعار:

“اقتصاد أزرق مستدام من أجل منطقة متوسطية مرنة وصحية”، فهذا ليس اختيارًا عابرًا، بل رؤية استراتيجية.
فالاقتصاد الأزرق يعني الاستثمار في الموارد البحرية والساحلية بطريقة تضمن استدامتها، بدءًا من الصيد المستدام مرورًا بالطاقة المتجددة البحرية، وصولًا إلى السياحة البيئية التي تحافظ على التراث الطبيعي والثقافي.

مصر في موقع القيادة

إصرار وزارة البيئة على إدراج قضية الحد من البلاستيك أحادي الاستخدام ضمن الإعلان الوزاري يثبت أن مصر لا تتحرك فقط من منطلق إقليمي، بل أيضًا من أولوياتها الوطنية. فهذا الملف يمس صحة المواطن وبيئته، ويعكس توجه الدولة لتبني سياسات أكثر استدامة.

ولعل تشكيل مجموعة عمل لوجستية بقيادة وزارة البيئة يعكس جدية التحضير: من إعداد مسودة الإعلان الوزاري ومراجعة القرارات العلمية، إلى تنسيق الأحداث الجانبية مع الشركاء الدوليين. إنها رسالة أن القاهرة لا تنتظر الحدث، بل تصنعه وتديره بحرفية.

التحدي والرهان

يبقى التحدي الأكبر أمام مصر خلال رئاستها للاتفاقية هو تحويل الالتزامات النظرية إلى خطط تنفيذية واقعية. فالمؤتمر لن يُحكم عليه بعدد الكلمات في بيانه الختامي، بل بقدرته على:

  1. وضع آليات واضحة لمكافحة التلوث البحري والنفايات البلاستيكية.

  2. تعزيز التعاون البحثي والعلمي لمواجهة آثار التغير المناخي على السواحل المتوسطية.

  3. إطلاق شراكات إقليمية لدعم الاقتصاد الأزرق كقاطرة للتنمية المستدامة.

  4. متابعة الدول الأطراف في تنفيذ التوصيات بشكل مُلزم.

مصر تعود إلى قلب المتوسط

إن استضافة القاهرة لـ COP24 ليست حدثًا عابرًا، بل عودة قوية لمصر إلى قلب المتوسط، هذه المرة ليس فقط عبر التجارة أو السياسة، بل عبر البيئة والتنمية المستدامة.

إنها رسالة إلى العالم أن مصر، التي عُرفت عبر التاريخ بكونها مهد حضارة ونقطة تلاقي، قادرة اليوم على أن تكون منارة بيئية تقود المنطقة نحو مستقبل أكثر نظافة وصمودًا.

ويبقى الأمل أن يتحول هذا المؤتمر من مجرد “اجتماع وزراء” إلى نقطة تحول حقيقية في مسيرة إنقاذ المتوسط، ليبقى بحر الحضارات مصدر حياة وفخر للأجيال القادمة.

سعيد جمال الدين