لم تعد زيارة الأهرامات مجرد رحلة للتأمل في عبقرية المصري القديم، بل أصبحت اليوم تجربة متكاملة تمزج بين التاريخ والحاضر، وبين السياحة والصحة.
الإعلان عن توقيع شراكة بين شركة أوراسكوم بيراميدز ومجموعة مستشفيات كليوباترا لتشغيل عيادة إسعافات أولية مجانية داخل منطقة الزيارة، يمثل تحولًا نوعيًا في مفهوم إدارة المواقع الأثرية، ويضع الهضبة في مصاف النماذج العالمية الرائدة.
مصر تنافس التجارب العالمية
العديد من المواقع الأثرية الكبرى حول العالم أدركت أهمية الدمج بين السياحة والرعاية الصحية، لكنها لم تصل إلى ما تحقق في الأهرامات:
-
في الكولوسيوم بروما، تقتصر الخدمات الصحية على نقاط إسعاف خارجية ميدانية.
-
في البتراء بالأردن، توجد مراكز إسعاف عند المداخل فقط، ما قد يطيل زمن الاستجابة.
-
في تاج محل بالهند، الاعتماد الأكبر على سيارات إسعاف خارجية.
أما في مصر، فإن وجود عيادة طبية مجهزة داخل منطقة الزيارة نفسها يرفع مستوى الأمان والجاهزية، ويمنح الأهرامات ميزة تنافسية جديدة في السوق السياحية العالمية.
أهمية الخطوة في السياق المصرى
-
حماية الزوار : الأهرامات تستقبل ملايين السياح سنويًا، بينهم فئات معرضة لمشكلات صحية مثل كبار السن والأطفال.
-
الظروف المناخية : حرارة الصيف قد تؤدي إلى ضربات شمس أو إجهاد حراري.
-
تعزيز الصورة الذهنية لمصر : الخدمات الصحية بالمواقع الأثرية أصبحت مؤشرًا مهمًا في تقييم الوجهات السياحية عالميًا.
تصريحات الشركاء: سياحة وصحة في تكامل
-
المهندس عمرو جزارين، رئيس أوراسكوم بيراميدز : “هدفنا تقديم تجربة حضارية متكاملة لا تقتصر على مشاهدة الأثر، بل تضمن الراحة والأمان. شراكتنا مع كليوباترا تأكيد على أن السياحة لا تنفصل عن الخدمات الإنسانية.”
-
الدكتور أحمد عز الدين، المدير التنفيذي لمجموعة كليوباترا : “وجودنا في الأهرامات امتداد لرسالتنا في توفير رعاية طبية عالية الجودة في أي مكان. نحن نرى في هذا المشروع خدمة إنسانية ورسالة وطنية في آن واحد.”
رأي الخبراء: خطوة في الاتجاه الصحيح
يرى خبراء السياحة أن الخطوة تعكس فهمًا جديدًا لإدارة المواقع التراثية.
-
هشام إدريس : “الزائر يبحث اليوم عن تجربة آمنة ومتكاملة. وجود عيادة داخل الأهرامات يرفع من مستوى الخدمة ويجعل الموقع أكثر جذبًا.”
-
هشام وهبة : “هذه المبادرة تواكب معايير اليونسكو للسياحة المستدامة، وتمنح مصر نقطة قوة إضافية في المنافسة مع الوجهات التاريخية العالمية.”
رسالة حضارية للعالم
هذه الخطوة ليست مجرد افتتاح عيادة، بل رسالة تؤكد أن مصر تحترم زوارها وتضع سلامتهم في صدارة أولوياتها، لتبقى الأهرامات ليس فقط رمزًا للماضي العظيم، بل أيضًا نموذجًا معاصرًا لإدارة التراث الإنساني. وبين عبقرية الحجر وقدرة الحاضر على تلبية حاجات الإنسان، تقدم مصر اليوم مثالًا على كيفية المزج بين حماية الذاكرة وتقديم الخدمة الإنسانية.
وبينما تعانق الحجارة العتيقة سماء الجيزة، فإن الخدمات الجديدة تُرسل إشارة واضحة: مصر لا تكتفي بعرض تاريخها للعالم، بل تقدم تجربة إنسانية كاملة تليق بمكانتها وحضارتها.
نحو تعميم التجربة في كل المواقع السياحية
إذا كانت الأهرامات قد دشّنت نموذجًا رائدًا بإنشاء عيادة إسعافات أولية داخل منطقة الزيارة، فإن الحاجة إلى مثل هذه النقاط الطبية تبدو أكثر إلحاحًا في المواقع الأثرية والسياحية الأخرى، خاصة في جنوب الصعيد حيث تسطع الشمس لساعات طويلة وبحرارة مرتفعة تفوق قدرة الكثير من الزوار، خصوصًا القادمين من دول باردة اعتادوا أجواء الصقيع والغيوم.
إن توفير مراكز طبية سريعة الاستجابة في الأقصر وأسوان ووادي الملوك والمعابد الكبرى ليس رفاهية، بل ضرورة حضارية تعكس احترام الدولة لزوارها وتضمن سلامتهم، وتقدم في الوقت نفسه صورة إيجابية عن مصر كوجهة آمنة وعصرية.
فالخدمات الطبية السياحية لم تعد تفصيلًا هامشيًا، بل جزءًا لا يتجزأ من معادلة التنافسية السياحية عالميًا، ورسالة واضحة بأن مصر لا تقدم تاريخًا فقط، بل تجربة متكاملة تحفظ للإنسان حياته وكرامته.
إن إريد الإصلاح ما أستطعت .. وما توفيقى إلا بالله .. عليه توكلت وإليه أنيب .. وعلى الله العلى القدير قصد السبيل
✍️ كاتب المقال
سعيد جمال الدين سرحان
عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير لبوابة المحروسة الإخبارية المحروسة نيوز
مؤسس شعبة الصحافة السياحية بنقابة الصحفيين
عضو جمعية الكتاب السياحيين المصريين
عضو جمعية كتاب البيئة والتنمية
