آثار ومصرياتبأقلامهم

“سعيد جمال الدين” يكتب : سرقة الأسورة الذهبية… تفتح باب وملف نهب الآثار فى مصر

في يوم 25 سبتمبر، 2025 | بتوقيت 1:00 مساءً

أعادت واقعة اختلاس قطعة أثرية ذهبية من معمل الترميم بالمتحف المصري – والتي باشرت النيابة العامة التحقيقات بشأنها مؤخرًا – فتح ملف طالما أثار الجدل: ملف سرقات وتهريب الآثار المصرية، الذي يمثل أحد أخطر التحديات أمام الدولة في حماية تراثها الممتد عبر آلاف السنين.

من واقعة فردية إلى قضية رأي عام

تفاصيل التحقيقات التي كشفتها النيابة العامة في قضية الأسورة الذهبية أظهرت ثغرات إدارية ورقابية داخل المتحف المصري، بدءًا من ضعف إجراءات التسليم والتسلم، وغياب الجرد اليومي، مرورًا بالسماح بدخول الحقائب الشخصية، وصولًا إلى مخالفات في ضوابط العمل داخل مخازن ومعامل الترميم.

هذه الثغرات جعلت القضية لا تتوقف عند كونها “واقعة فردية”، بل تحولت إلى جرس إنذار بشأن احتمالية وجود ثغرات أخرى قد تُستغل مستقبلاً في تكرار مثل هذه الجرائم.

سرقات الآثار… تاريخ طويل من النزيف

لم تكن واقعة الأسورة الذهبية الأولى من نوعها؛ إذ شهدت مصر على مدار العقود الماضية العديد من حوادث سرقة وتهريب الآثار، أبرزها:

سرقة عشرات القطع من المتحف المصري بالتحرير عام 2011 إبان أحداث الانفلات الأمني.

ضبط شحنات آثار مصرية في مطارات وموانئ أجنبية، كان آخرها في إيطاليا عام 2018.

حوادث متفرقة داخل مخازن أثرية بالأقاليم، غالبًا ما ارتبطت بتقصير إداري أو بفساد موظفين.

هذه الوقائع تطرح تساؤلات حول فاعلية أنظمة الحماية المعمول بها، ومدى مواكبتها للمعايير الدولية في صون التراث.

سرقة وصهر سوار ذهبي أثري عمره 3 آلاف عام
سوار الفرعونى المسروق

ثغرات إدارية ورقابية

خبراء الآثار والترميم طالما أكدوا أن غياب الرقمنة والحوكمة في إدارة المخازن والمعامل يُعد من أبرز أسباب تكرار مثل هذه السرقات. فاعتماد الأساليب الورقية التقليدية في إثبات حركة القطع الأثرية يسهّل التلاعب، كما أن ضعف التدريب الأمني للعاملين يضاعف من حجم المشكلة.

جهود الدولة واسترداد المسلوب

رغم هذه التحديات، حققت مصر خلال السنوات الأخيرة إنجازات مهمة في استرداد آثارها المهربة عبر التعاون مع الدول الأجنبية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فرنسا، وإيطاليا. كما تعمل وزارة السياحة والآثار على تحديث منظومة الحماية، من خلال تزويد المخازن بأنظمة مراقبة حديثة وربطها إلكترونيًا.

لكن واقعة الأسورة الذهبية تؤكد أن الطريق ما زال طويلًا، وأن الرقابة الداخلية تحتاج إلى مزيد من الحزم والشفافية.

آراء وتحذيرات خبراء ومسؤولين

الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، أكد أن “تهريب الآثار المصرية لم يتوقف عبر التاريخ، لكنه ازداد مع ضعف الرقابة، وأن الحل يكمن في تشديد الحراسة والرقمنة وربط جميع المخازن بشبكة مركزية للمراقبة”.

الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار السابق، أشار إلى أن “الدولة استعادت خلال سنوات قصيرة آلاف القطع الأثرية من الخارج، لكن نجاح الحماية الداخلية لا يقل أهمية عن جهود الاسترداد”.

الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية بوزارة السياحة والآثار، شدد على أن “الاختلاس من الداخل أخطر من التهريب عبر الحدود، لأنه يضعف ثقة المجتمع الدولي في قدرة مصر على حماية تراثها”.

تساؤلات مفتوحة

تظل القضية الأكبر: هل تكفي التحقيقات والعقوبات وحدها لردع محاولات سرقة الآثار؟

أم أن الأمر يتطلب إصلاحًا شاملًا يبدأ من تحديث البنية الإدارية، ويمتد إلى تغيير الثقافة المؤسسية للعاملين، بحيث يدرك الجميع أن حماية الآثار ليست مجرد وظيفة، بل مسؤولية وطنية؟

 الخلاصة :

سرقة الأسورة الذهبية لم تكن مجرد حادثة اختلاس تقليدية، بل مثلت نافذة لكشف حجم المخاطر التي تهدد آثار مصر.

وإذا لم تُسد الثغرات الإدارية والرقابية سريعًا، فقد نجد أنفسنا أمام موجات جديدة من النزيف الأثري، في وقت تسعى فيه الدولة إلى الترويج للتراث كأحد أعمدة قوتها الناعمة عالميًا.

إن إريد الإصلاح ما أستطعت .. وما توفيقى إلا بالله .. عليه توكلت وإليه أنيب .. وعلى الله العلى القدير قصد السبيل

✍️ كاتب المقال

سعيد جمال الدين سرحان

عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير لبوابة المحروسة الإخبارية المحروسة نيوز

مؤسس شعبة الصحافة السياحية بنقابة الصحفيين 

عضو جمعية الكتاب السياحيين المصريين

عضو جمعية كتاب البيئة والتنمية