أثارت واقعة سرقة سوار ذهبي من مقتنيات المتحف المصري بالتحرير موجة غضب عارمة في الأوساط الأثرية والثقافية، بعدما كشفت تفاصيلها عن حجم الفوضى التي تعيشها المنظومة المسؤولة عن حماية كنوز مصر. الحادث لم يكن مجرد سرقة قطعة ذهبية، بل جرس إنذار جديد يفضح هشاشة إدارة آثارنا وغياب الشفافية والمحاسبة.
ملك منسي وتاريخ مهدر
الدكتورة ماجدة عبد الله، أستاذ تاريخ وآثار مصر والشرق الأدنى القديم، أكدت أن السوار المسروق يعود إلى الملك أمنمؤوبي (أمون إم أوبت)، ابن الملكة موت نجمت والملك بسوسنس الأول، أحد أبرز ملوك الأسرة الحادية والعشرين (1039 – 990 ق.م) الذي اشتهر بمقبرته الثرية المكتشفة في تانيس شرق الدلتا على يد الفرنسي بيير مونتيه عام 1940.
وتشير الدكتورة إلى أن مقبرة بسوسنس – الملقب بـ”الفرعون الفضي” – كانت توازي في أهميتها اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون لولا أن ظروف الحرب العالمية الثانية حجبت عنها الأضواء الإعلامية.

أربع أساور.. وأين البيان الرسمي؟
توضح الخبيرة أن هناك أربع أساور مشابهة محفوظة بالمتحف المصري تحت أرقام (8729 – 8732)، من اللازورد والذهب النقي الذي قد يتجاوز عيار 24. لكنها تتساءل: لماذا لم تصدر وزارة السياحة والآثار بيانًا رسميًا يوضح الوزن والأبعاد والرقم المتحفي للسوار المسروق؟
أسئلة محرجة تكشف تناقضات
الدكتورة ماجدة وجهت انتقادات لاذعة للصائغ الذي ظهر في فيديو وزارة الداخلية، مؤكدة أن المشهد يثير شكوكا أكثر مما يقدم إجابات:
-
كيف يُثنى سوار ملكي سميك باليد المجردة؟
-
أين اختفت الخرزة المصنوعة من حجر كريم كانت في قلب القطعة؟
-
لماذا لم يظهر السلك الذهبي الذي يمر عبر الخرزة؟
-
لماذا لم يزن الصائغ السوار كما تقتضي الأصول؟
-
وعلى أي أساس تم حساب قيمة ذهب يُفترض أنه نقي خالص؟

أين وزارة السياحة والآثار؟
الخبيرة لم تكتف بطرح الأسئلة، بل صعدت بانتقادها قائلة: “أين كلمة مسؤولي الوزارة؟ وأين نشرات التوضيح الرسمية؟ ولماذا يلتزم الجميع الصمت أمام فقدان قطعة نادرة من تراثنا؟”
مطالب حاسمة
طالبت الدكتورة ماجدة عبد الله بضرورة فصل وزارة الآثار عن وزارة السياحة، معتبرة أن الجمع بين الملفين يضر بالآثار التي تحتاج وزارة مستقلة متفرغة. كما شددت على وقف المعارض الخارجية تمامًا لحماية القطع الأثرية من الفقد أو العبث، مؤكدة أن “تراثنا إذا ضاع فلن يعوضه شيء”.
مسؤولية ثقيلة.. وصمت مريب
الحادثة تضع المسؤولين أمام اختبار تاريخي: هل ستبقى التحقيقات محصورة في بيانات أمنية مقتضبة، بينما يظل الرأي العام والوسط الأثري في الظلام؟ أم سيتحرك صناع القرار لكشف الحقائق كاملة ومحاسبة المقصرين وإعادة الاعتبار لواحدة من أهم مؤسسات مصر الثقافية؟
ما جرى في المتحف المصري ليس حادثة عابرة، بل فضيحة مدوية تكشف فشل المنظومة في حماية آثار يفترض أنها تحت أقوى مظلة أمنية في البلاد.



