بأقلامهم

“سعيد جمال الدين ” يكتب : قراءة ورؤية لزيارة ملك أسبانيا لمصر

في يوم 19 سبتمبر، 2025 | بتوقيت 2:00 مساءً

من شواطئ الأندلس التي حملت عبر التاريخ أنوار الحضارة الإسلامية إلى ضفاف النيل حيث تتجلى أعظم حضارات العالم القديم، يمتد البحر المتوسط كجسر أزلي يربط بين مصر وإسبانيا.

واليوم، يعود هذا الجسر ليلعب دوره مجددًا، ليس فقط في تواصل الشعوب والثقافات، بل في رسم ملامح السياسة والدبلوماسية في لحظة من أكثر اللحظات قسوة على منطقتنا.

تأتي زيارة الملك فيليبي السادس، ملك إسبانيا، وقرينته الملكة ليتيسيا إلى القاهرة، في توقيت فارق إقليميًا ودوليًا. فالمنطقة لا تزال على صفيح ساخن مع استمرار الحرب على غزة وما خلفته من مأساة إنسانية غير مسبوقة، بينما تتزايد التحركات العربية والأوروبية لوقف إطلاق النار وإحياء المسار السياسي.

هذه الزيارة ليست مجرد حدث بروتوكولي رفيع المستوى، بل تحمل دلالات استراتيجية وسياسية واقتصادية وثقافية تعكس مكانة مصر المحورية، وتفتح آفاقًا أوسع للعلاقات المصرية – الإسبانية، وتعيد القضية الفلسطينية إلى قلب الاهتمام الدولي.

أولًا: مصر.. الوسيط الذي لا غنى عنه

تُثبت القاهرة يومًا بعد آخر أنها الرقم الصعب في المعادلة الفلسطينية – الإسرائيلية، فهي الدولة الأكثر انخراطًا في الوساطة بين الفصائل، وإدارة معبر رفح، وضمان تدفق المساعدات. زيارة الملك الإسباني جاءت لتؤكد أن هذا الدور يحظى بغطاء أوروبي مهم، وأن مصر لا تتحرك منفردة بل معها شركاء دوليون يرون فيها بوابة الاستقرار.

ثانيًا: إسبانيا.. صوت أوروبي مختلف

إسبانيا كسرت حاجز الصمت الأوروبي باعترافها بالدولة الفلسطينية في مايو 2024. واليوم، يُجدد الملك فيليبي هذا الموقف في القاهرة، مؤكدًا أن المعاناة في غزة “أزمة لا تُطاق”.

هذه اللغة المباشرة تمثل تحولًا في الخطاب الأوروبي، وقد تُشجع دولًا أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، لتشكيل كتلة ضاغطة داخل الاتحاد الأوروبي لصالح الحقوق الفلسطينية.

ثالثًا: رفض التهجير والتغيير الديموجرافي

من أخطر ما يواجه الفلسطينيين اليوم سيناريو التهجير القسري. وهنا تلتقي الرؤية المصرية – الإسبانية على رفض أي محاولات لتفريغ الأرض من أصحابها.

هذا الموقف ليس فقط سياسيًا، بل أخلاقيًا وإنسانيًا، ويشكل جبهة ضغط مضادة تحمي ما تبقى من حقوق الفلسطينيين.

رابعًا: الضغط الإنساني والدبلوماسي

أهمية الزيارة أنها تُعيد تسليط الضوء على الوضع الإنساني الكارثي في غزة. فتصريحات الملك في القاهرة لا تمر مرور الكرام،

بل تتحول إلى ورقة ضغط أخلاقية وسياسية على المجتمع الدولي،

يمكن أن تترجم لاحقًا إلى زيادة الدعم الإنساني وتبني مواقف أكثر توازنًا داخل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

خامسًا: البُعد الرمزي والحضاري

على الصعيد الرمزي، زيارة ملك إسبانيا لمصر في هذا التوقيت تحمل رسالة مزدوجة: دعم مباشر للسلام، وتأكيد أن الملف الفلسطيني لا يغيب عن أجندة القصور الملكية الأوروبية.

كما أن البُعد الحضاري حاضر بقوة، فإسبانيا ومصر يجمعهما تاريخ طويل من التفاعل عبر المتوسط، من الأندلس إلى الحضارة العربية الإسلامية. زيارة الأهرامات، المتاحف، أو الأزهر، تمثل في حد ذاتها تعزيزًا للقوة الناعمة المصرية.

سادسًا: التعاون الاقتصادي والسياحي.. آفاق أوسع

بعيدًا عن السياسة، تفتح الزيارة الباب أمام تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. فإسبانيا شريك اقتصادي مهم لمصر داخل الاتحاد الأوروبي، وهناك فرص واعدة في مجالات الطاقة المتجددة، النقل، البنية التحتية، وتكنولوجيا المياه.

أما على صعيد السياحة، فإسبانيا تُعد من أكبر الأسواق المصدرة للسياحة عالميًا. وتنامي الحركة السياحية الإسبانية إلى مصر يمكن أن يكون أحد ثمار هذه الزيارة، خاصة مع اهتمام السائح الإسباني بالآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية، فضلًا عن المسارات الدينية وعلى رأسها مسار العائلة المقدسة، الذي يلقى صدى خاصًا في مجتمع كاثوليكي مثل إسبانيا.

سابعًا: مصر وإسبانيا.. نحو شراكة أوسع

زيارة ملك إسبانيا لمصر تحمل أكثر من رسالة:

  • تأكيد مكانة مصر كوسيط لا غنى عنه في القضية الفلسطينية.

  • بروز إسبانيا كصوت أوروبي داعم للفلسطينيين.

  • فتح آفاق اقتصادية وسياحية جديدة بين القاهرة ومدريد.

  • تعزيز البعد الثقافي والحضاري المشترك عبر المتوسط.

رسائل 

ليست الزيارة مجرد لقاء بين رئيس دولة أوروبية وقيادة مصرية، بل هي محطة استراتيجية متعددة الأبعاد. من جهة، تُعزز الموقف المصري في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية ورفض التهجير، ومن جهة أخرى، تفتح مسارًا جديدًا للتعاون الاقتصادي والسياحي والثقافي بين القاهرة ومدريد.

إنها رسالة إلى الداخل والخارج في آن واحد: مصر ليست مجرد وسيط سياسي، بل مركز ثقل إقليمي وحضاري واقتصادي، وإسبانيا بدورها تثبت أنها لا تزال تملك القدرة على لعب دور متوازن في السياسة الدولية.

في لحظة تاريخية فارقة، قد تكون هذه الزيارة إحدى الخطوات التي تُعيد الأمل في إحياء المسار السياسي الفلسطيني، وتفتح لمصر وإسبانيا أبواب تعاون أرحب، يليق بتاريخيهما المشترك وموقعهما الاستراتيجي على ضفتي المتوسط.

الكاتب الصحفى " سعيد جمال الدين سرحان " رئيس تحرير بوابة المحروسة الإخبارية " المحروسة نيوز "
الكاتب الصحفى ” سعيد جمال الدين سرحان ” رئيس تحرير بوابة المحروسة الإخبارية ” المحروسة نيوز ” تصوير الفنان حامد عيد

كاتب المقال

سعيد جمال الدين سرحان

عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير لبوابة المحروسة الإخبارية المحروسة نيوز

مؤسس شعبة الصحافة السياحية بنقابة الصحفيين 

عضو جمعية الكتاب السياحيين المصريين

عضو جمعية كتاب البيئة والتنمية