بأقلامهم

الكاتب الصحفى ” محمود الشربينى ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : وسط البلد ..في مرمى نيران العبار !!

في يوم 9 سبتمبر، 2025 | بتوقيت 11:09 مساءً

ربما لايهتم المواطن العادي بهذه الأفكار الشيطانية التي نبتت في رأس الاستثمار الإماراتي!

ربما يقول العاديون “واحنا مالنا “..فكل شيء في مصر يباع .. من الحضارة إلى التاريخ ..من الذكريات إلى الأرشيف .. من الصور إلى الأفلام ..من الأراضي إلى العمارات والبيوت السكنية .

لم يبق شيء لم يبع في مصر ، وكأن تركة مصر الحضارية حمل ثقيل لا يستطيع وزراء عاديون وربما أقل ، من ان يحملوه على ظهورهم ، خصوصا وأنهم ينسلخون عن كل تاريخ عاشوه معنا، قبل التوزير والأبهة والفخامة والمواكب والتشريفات، وذلك بعد أن ضمنوا الإنتقال إلى أماكن أخري تبدو براقة وهادئة وثرية.

من القطامية هايتس معقل الأثرياء من طراز سعد الدين إبراهيم ،إلى هاسيندا التي كانت بالنسبة للفقراء ارض الأحلام ، كما تعرفنا عليها وعلى غيرها من روزا اليوسف زمن المبدع الصحفي الكبير عادل حمودة ، الذي ندين له بالفضل في التعرف على هذه المناطق الأسطورية ، واحدة تلو الأخرى .

ماذا جرى للبلد ؟ “هيه شوطة وحلت علينا زي شوطة الفراخ “؟! .. شوطة بيع .. بيع ياوديع .. تاريخ في البيع يعود إلى زمن السادات الذي غير وجه مصر وألبسه كل ماهو قبيح !

ومع هذا فلم نبع كل مابعناه بما يقابله من جهد وقيمة حقيقية وأصول مقدره تقديرا صحيحا .. حتى الرجل الاقتصادي المعروف لنا بأنه خبير في البنك الدولي ، مايعني انه “ضليع” في أصول الاقتصاد والبيع والشراء والاستثمار ،هو نفسه باع عمر أفندي زمان بأبخس الأثمان ! ورغم كل ماجرى في زمنه وقت ان كان وزيرا للاستثمار ، عاد ليطل علينا من باب نقد الاقتصاد المصري، في كلمة حق يقولها باطل !

هذا اقتصادي باع قبل ذلك اسم وتاريخ وماركة مسجلة وأصولا مليارية بما لايزيد عن ٥٥٠ مليون جنيه !” ولك عين ياظالم ؟ إن فرعا واحدًا لـ  “عمر أفندي” في سوهاج وقت طرح الشركة الأم للبيع كان يقدر بنحو مائة مليون جنية، بحسب متخصص في الأمور الاقتصادية ، كان يحكي لنا عن تقييم هذا الفرع من منظور اقتصادي ، دليلا على ان محمود محيي الدين لم يقدم لبلاده خدمة بهذا الاستثمار الضئيل ، بل قدم لها محنة لم تنتهي إلا باللجوء إلى القضاء !

فرع واحد فقط قدرت قيمته الاستثمارية باصوله وأرضه وموقعه بـ100 مليون جنيه وقتها !

( تأسس عمر افندي عام1856 وبلغت فروعه 82 فرعا و 86 مخزنا ، ولم نحتفل في عام 2006 بمرور 150 عاما على افتتاح اول فرع لها )!

في عام 2011 وتحديدا في 29 سبتمبر حكم القضاء المصري برفض البيع ورجوع ملكية عمر أفندي للحكومة المصرية مرة أخرى !!

لكن هذه المرة ليس مطلوبا فقط الاستيلاء على “عمر افندي” وإنما وسط البلد كله ، بما فيه عمر وسعاد وليلي الخ .. جروبي ( الفرع العامل وليس الفرع الخامل ) والجريون وهابي تون وهابي سيتي وريش والبستان واستوريل وشوارع ثروت وشريف والفلكي ونوبار وطلعت حرب وهدى شعراوي وعماد الدين و 26 يوليو وأميركيين عماد الدين وأميركيين طلعت حرب وغيرها !

واحسرتاه على جروبي أجمل موقع في وسط القاهرة وللملايين ذكريات معه ، اغلقوه لكي “يسقعوه” ومازال في الثلاجة حتى اليوم بفلوسهم .. كما هي الحال مع كل ماتم تسقيعة قبل ذلك ..شبرد التاريخيّ نموذجا !

حتى اليوم يحكي مبدعون ذكرياتهم مع كوزمو بوليتان العريق ، والكافيه الشهير التابع له والمغلق حاليا في الطابق الأول (كافيه وبار) كان يجلس فيه صباحا “شلة ” روزا اليوسف أذكر منهم رؤوف عياد وابراهيم عبد الملاك وسامي السلاموني والفنان أحمد مرعي ،وهم من رفاق “لاباس” المقفولة بالضبة على كل ذكرياتها الجميلة ، وبعض منها ورد في مذكرات الكاتب الكبير عادل حمودة .

فيما أتذكر أيضا ان رؤوف عياد كتب بأسلوبه الساخر نحو 6 أو 8 صفحات عن مقهى ريش العريق فى مجلة صباح الخير ..وكان مالكه مجدي خليل قد أغلقه بضع سنوات ، تشعر معها ان القاهرة ووسطها كان “مخلخل” بغياب هذا المعلم، الذي شهد في عصور غابرة أمجاداً وعظمة لا تضاهي ، ففيها جلس نجيب محفوظ ويوسف إدريس وصلاح جاهين وطه حسين وانور وجدي وحتي كوكب الشرق أم كلثوم .

مقهي فريد تصعلك على موائده عبد الرحمن الأبنودي و أمل دنقل ونجيب سرور وفاروق عبد القادر وجليل البنداري ، ولو قرأت رواية “دولاب مريم ” لمؤلفها القاص والروائي فهمي عبد السلام ، لعرفت أسماء اخري كانت تفتح أبواب ريش وتنادي على عم فلفل ليحضر لها القهوة أو الكونياك في التاسعة صباحا وتظل تحتسي الطعام والشراب فيها حتى تمتزج مترعات المعدة والأمعاء بما في مآقي العيون من دموع حارة ،كأنها مزجت بالملح بدلا من المارتيني !

ولايكتفون بما عاثوه من حضور ثقافي وحواري ساخر في ريش ، وإنما يودعون عم فلفل ومالك المقهي ، ولا يذهبون إلى بيوتهم ، وإنما إلى بارات اخري ربما يخرجون منها لصلاة الفجر .. هذا ممكن؟

فقد كنت أجالس أصدقاء يذوبون عشقا في الحشيش ، ويفزعون من أمام الجوزة او الشيشة عندما يتناهى إلى أسماعهم صوت آذان الفجر ، سواء كان المؤذن شجي الصوت أو مسرسع، المهم أنهم كانوا على طريقة ” دى نقرة ودي نقرة” يهبون للاغتسال والوضوء والصلاة طمعا في رحمة الله !

رحمات الله عليك ياقاهرتنا الجميلة ، حلمنا بإنقاذك في 18  يوما مجيدة ، وبثورة عظيمة ، فقدنا بهاءك معها ، تحت وطأة سيارات مسلحة تطوق شوارعك التاريخية ، ويأتي الآن محمد العبار بكل “أشولة ” المال التي يمتلكها ، ليقول بكل ثقة أنا “عيني على وسط البلد”؟لولا الخوف من القضاء ، والإتهام بالسب والقذف لقلت الكثير ، بدلا من الاكتفاء بعبارة ” في فمي ماء”؟!

أما يكفيك الساحل الشرير والساحل العبيط ؟ أما تكفيك العاصمة الإدارية التي كنا نتمني لها مستثمرين حقيقيين ، ولعلك كنت واحدًا من المأمول أن يساعدوا في بنائها ، إلا انك فضلت القطاع الفندقي ومازلت تفضله !

وسط البلد بالنسبة لك مجرد فنادق ، تريد الاستيلاء عليها لتضاعف رصيدك من المال ، متجاهلا رصيدنا نحن من عبق التاريخ وعطر الثقافة ،ذلك الذي تحمله لنا وتعطر به حياتنا امس واليوم وغدا الشخصيات التاريخية التي ملأت سمع وبصر الدنيا ومازالت تملؤه .

وسط البلد بالنسبة لنا هو الجوامع والكنائس والحدائق. والمسارح والمقاهي التاريخية ، من الحرية وسوق الحميدية في ميدان الفلكي إلى مقهي الفيشاوي في رحاب الجامع الأزهر . معالم وسط البلد تحكي تاريخنا نحن ، وليس تاريخ دبي .

تاريخ يكتب فصوله وعبقه رواد مصر الكبار ، من ازمنة الحملة الفرنسية والاحتلال الفرنسي. وحتى ثوراتنا المجيدة لطرد المستعمرين .

تاريخ نحتفي فيه بالجبرتي وابن إياس والمقريزي ومحمد عبده والأفغاني ( أيا كانت ملاحظات كتاب ومثقفين على تعاونهما مع قادة الاحتلال) ، تاريخ مجيد بالثورة على الاحتلال ، الثورة العرابية وثورات القاهرة الأولى والثانية وثورتي 1919 و يوليو 1952 .

نحتفي فيه بكل رموزنا الثقافية ، من طه حسين والعقاد والمازني إلى نجيب محفوظ ويوسف إدريس والحكيم وبهاء طاهر وادوار الخراط وصنع الله إبراهيم وإبراهيم عبد المجيد وإبراهيم أصلان ومكاوي سعيد وخيري شلبي ورجاء النقاش وحسن طلب وغيرهم من رموزنا المبدعة .

تاريخ المفكرين من عبد الملك عودة وعلى الدين هلال ومراد وهبة وصولا إلى نبيل عبد الفتاح وسمير مرقص وكبار الصحفيين من الأستاذ التابعي إلى هيكل وبهاء والأخوين مصطفي وعلى أمين واحسان عبد القدوس وصولا إلى صلاح حافظ وعادل حمودة وصلاح عيسي وعبد الله السناوي وعبد الحليم قنديل وعمار على حسن .

تاريخ أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام.. تاريخ الأجيال الجديدة من الشعراء ورموز الفن والغناء .. عبد الحفيظ طايل وإبراهيم عبد الفتاح وابراهيم داوود وصلاح عناني . تاريخ عائشه عبد الرحمن وصافي ناز كاظم وفتحية العسال وفريدة النقاش؟

كان سيد عويس اشهر عالم اجتماع مصري في القرن العشرين فخورا بالتاريخ الذي يحمله على ظهره حتى احدودب ، وتركه لنا لنتعلم منه ، لا لنبيعه لأجل بناء فنادق وهدم طوابق وتحويل قلب القاهرة ، المدينة الساحرة التي لاتنام إلى مدينة في مرمي سهام محمد العبار ، الذي يتمثل مدينة دبي ، التي وإن كنا نعرف مكانتها كمدينة البيزنس ، إلا أننا لن نفرط في القاهرة ووسطها ، كمدينة للحضارة والثقافة والتاريخ .

الحملة مستمرة ..تباعا.

كاتب المقال 

محمود الشربيني

الكاتب الصحفى

عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين

بدأ حياته الصحفية في مؤسسة روز اليوسف عام 1984.. حيث عمل في مجلة صباح الخير 

ثم انتقل للعمل عام 1957 في مكتب جريدة الأنباء الكويتية بالقاهرة.. واستمر بها حتي وقع الغزو العراقي للكويت.

فانتقل للعمل بجريدة الوفد. وفجر على صفحاتها أهم خبطاته الصحفية وهي معركة “نواب الكيف ” .. والتي نجحت في إسقاط عضوية خمسة من أعضاء مجلس الشعب كانوا قد نجحوا على قوائم الحزب الوطني عام 1990 مع انهم مسجلون كتجار مخدرات في سجلات هيئة مكافحة المخدرات.

حقق الشربيني العديد من القضايا. واجري العديد من الحوارات الصحفية المهمه..  خاصة حديثه الذي أثار ضجة كبري وقت نشره في جريدة الأنباء الكويتية والوفد المصرية المعارضة في وقت واحد .. مع الكاتب الكبير مصطفي امين حول قضية الجاسوسية المتهم فيها .

اغلب حواراته تنشر في صحف الكويت والقاهرة في وقت واحد.

غادر الشربيني مصر إلى الكويت وعمل في اكبر صحفها ( الانباء والوطن والسياسة ) وأسس أكثر من مجلة .. وكان كبيرا للاعلاميين في الصندوق الكويتي حتي استقالته عام 2018.

اسس وأدار ملتقى الشربيني الثقافي في أكتوبر عام 2020 .