في قلب الحرم الجامعي بالجيزة، يعلو برج شامخ بارتفاع 42 متراً، يحتضن ساعة جامعة القاهرة الشهيرة، التي شُيدت بين عامي 1935 و1937،
وتُعد واحدة من أبرز المعالم التاريخية والمعمارية في مصر، حيث تم تشييدها لتزين ساحة الحرم الجامعي كرمزٍ للعلم والانضباط واحترام الوقت.
ساعة جامعة القاهرة تُعد ثاني أقدم ساعة تذكارية في العالم وجاءت هدية من شركة “بيج بن” البريطانية الشهيرة ، التي قامت بتصنيعها على غرار الساعة الشهيرة في لندن،.
لتصبح منذ ذلك الحين شاهدًا على مسيرة الجامعة والأحداث الوطنية الكبرى ، فضلاً عن مما يجعلها من أكبر الساعات في الشرق الأوسط. تميزت منذ البداية بإضاءتها الليلية التي تضفي مشهدًا مهيبًا على أرجاء الجامعة.
منذ ذلك الحين، لم تكن الساعة مجرد عقارب تتحرك أو أجراس تدق، أومجرد وسيلة لضبط الوقت بل صارت أيقونة للجامعة، ومرجعاً للطلاب ،حيث اصطلحوا على تسميتها بـ “ساعة الأمل”، باعتبارها نقطة التقاء تجمع أجيالًا متعاقبة من طلاب الجامعة لتبادل الأفكار والطموحات.
معمار يواجه الزمن
بُني البرج على أرض كانت جزءاً من بساتين سرايات محمد علي، ذات تربة طينية رخوة، ما تطلّب أساسات هندسية متينة.
وقد أُنشئ على هيئة رباعية التصميم، بزخارف دقيقة وإطلالة مهيبة، ليحمل في قمته ساعة رباعية الوجوه تضيء المكان ليلاً وتلفت الأنظار نهاراً، ومعلماً معمارياً وتاريخياً يربط الأجيال بعراقة المؤسسة التعليمية الأولى في مصر.
أجراس برونزية ونغمات متجانسة تروي سيمفونية الزمن
تحتوي الساعة على خمسة أجراس برونزية: جرس ضخم يتوسطها، يحيط به جَرسان متوسطان وجرسان صغيران. هذا التنوع يخلق سيمفونية صوتية متدرجة:
- أربع دقات كل ربع ساعة.
- ثماني دقات كل نصف ساعة.
- 12 دقة عند الدقيقة 45.
- بينما يدوّي الجرس الأكبر مع بداية كل ساعة كاملة.
صوتها لم يكن مقتصراً على الحرم الجامعي، بل ارتبط لعقود بنشرات الأخبار في الإذاعة المصرية، إذ كانت تبث دقاتها مباشرة كعلامة توقيت دقيقة يعرفها ملايين المصريين.
ميكانيزم فريد وبطاريات جبارة
تشغيل الساعة، يعتمد على موتور رئيسي وساعة تحكم مركزية في أسفل المبنى، تنقل الحركة عبر أسلاك ميكانيكية إلى العقارب في الأعلى.
“الساعة تعمل بفضل خمس بطاريات ضخمة: أربع منها بقوة 12 فولت و200 أمبير، والخامسة بقوة 6 فولت و225 أمبير.
نقوم بشحنها دورياً لتظل الساعة تدق بلا توقف.”
هذه المنظومة تجعل الساعة مزيجاً فريداً من التكنولوجيا الكلاسيكية والميكانيكا الدقيقة، ما حافظ على عملها لأكثر من ثمانية عقود.
أعطال وتجديدات
توقفت الساعة عن العمل في بعض الفترات، كان أبرزها في أعوام 1976، 1992، و1994.
لكن جهود كلية الهندسة بجامعة القاهرة أعادت لها الحياة، وأجريت لها عمليات تحديث شاملة كان آخرها عام 2018، حيث استعادت بريقها ودقتها.
وفي زيارة شهيرة عام 2009، حرص الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على الصعود إلى أعلى البرج خلال خطابه التاريخي في جامعة القاهرة، وهو ما منح الساعة بُعداً رمزياً عالمياً إضافياً.
شاهد على التاريخ والهوية
على مدار ما يقارب 90 عامًا، كانت الساعة شاهدة على مسيرة جامعة القاهرة، بداية من تخرج رموز الفكر والسياسة في مصر، مرورًا بالمظاهرات الطلابية التي شهدتها ساحة الجامعة، وصولًا إلى الفعاليات الثقافية والفنية التي تُقام تحت برجها حتى اليوم.
أيقونة معمارية وثقافية
ساعة جامعة القاهرة ليست مجرد أداة لحساب الزمن، بل أيقونة معمارية وثقافية تختصر تاريخ الجامعة ومكانتها. فهي تحفة نادرة تجمع بين الفن والهندسة والتاريخ ، ومزارًا ثقافيًا ومَعْلَمًا مهيبًا يلتقط حوله الزوار والطلاب الصور التذكارية.
من “ساعة الأمل” إلى أثر محمي
في عام 2024، اعترفت وزارة السياحة والآثار رسمياً بقيمتها التاريخية، فأدرجت برج الساعة وقبة الجامعة ضمن قائمة الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، ليُسجل كمعلم أثري محمي، يُضاف إلى سجل مصر المعماري العريق،
رمز خالد للتعليم والزمن
اليوم، تقف ساعة جامعة القاهرة أكثر من مجرد آلة للوقت؛ إنها تجسيد لفكرة أن الزمن والعلم وجهان لعملة واحدة. دقاتها تذكير دائم بأن اللحظة التي تمضي لا تعود، وأن استثمار الوقت هو سر نهضة الأمم.
“ساعة جامعة القاهرة”، شاهدة على ماضٍ مجيد وحاضِر نابض ومستقبل واعد وتظل شاهدًا حيًا على أن الزمن لا يُقاس بالدقائق والساعات فقط، بل بما يُنجَز من علم وفكر وحضارة، لتظل رمزًا خالدًا للعلم، وتاجًا يزين تاريخ الجامعة التي خرجت آلاف العلماء والمفكرين.




