آثار ومصرياتمنوعات

الزوجة في مصر القديمة.. عبقرية أنثوية صنعت حضارة وأسرة متماسكة

في يوم 29 أغسطس، 2025 | بتوقيت 4:43 مساءً

في قلب الحضارة المصرية القديمة، لم تكن الزوجة مجرد نصف المجتمع، بل كانت قلب الأسرة النابض والعمود الفقري للحياة اليومية والدينية والاقتصادية. مكانتها لم تُمنح لها كمجاملة اجتماعية أو رفاه فكري، بل جاءت نتيجة تراكم تاريخي من الإسهامات الحقيقية والدور المحوري الذي قامت به عبر آلاف السنين.

بهذه الكلمات استهل الدكتور قاسم زكي، أستاذ الوراثة المتفرغ بكلية الزراعة بجامعة المنيا وعضو اتحاد كتاب مصر، حديثه عن مكانة الزوجة المصرية القديمة، مؤكدًا أن تلك المكانة جاءت انعكاسًا لوعي اجتماعي وفلسفة حضارية راقية.

شريكة حياة لا تابعة

يوضح الدكتور زكي أن المصري القديم لم ينظر إلى الزوجة باعتبارها تابعًا للرجل، بل شريكة حقيقية في بناء الأسرة، واصفًا إياها في نقوشه وبردياته بـ”سيدة البيت” و”نور المنزل” و”من تبتهج بها الروح”. وكان الزواج في مصر القديمة قائمًا على المودة والرحمة، كما عكست وصايا الحكماء ومن أبرزها نصيحة الحكيم بتاح حتب: “إذا كنت حكيمًا فاعتنِ بزوجتك… فإنها حقل خصب لك.”

حقوق قانونية ومكانة اجتماعية

الزوجة في مصر القديمة تمتعت بحقوق قانونية كاملة؛ فلها ملكية مستقلة، تحتفظ بمهرها، وتبرم العقود، بل كان من حقها طلب الطلاق أو رفع دعوى إذا تعرضت للإهانة أو الخداع.

عقود الزواج تضمنت التزامات واضحة من الزوج تجاه زوجته، وكانت ذات قوة قانونية أمام المحاكم، وهو ما منح الزوجة حماية حقيقية على المستويين المادي والمعنوي.

دور اقتصادي ومدبر للأسرة

كانت الزوجة العقل المدبر لشؤون البيت، تُشرف على الغذاء والميزانية وتعليم الأبناء، وتشارك أحيانًا في الحرف اليدوية والتجارة. برديات عديدة حفظت تفاصيل قيام النساء بصناعات مثل الغزل وصناعة الزيوت والعطور، لتوفير دخل إضافي للأسرة. وفي غياب الزوج، قد تتولى إدارة أملاكه، ما يعكس الثقة الكاملة بدورها وقدراتها.

البُعد الروحي والوفاء الزوجي

لم يقتصر دور الزوجة على شؤون المنزل المادية، بل امتد إلى الجانب الروحي والديني، حيث أشرفت على الطقوس العائلية الصغيرة وتعليم الأبناء احترام الأرواح. كما جسدت رمزية الإلهة إيزيس، التي عُرفت بالوفاء والتضحية الزوجية.

نقوش المقابر المصرية تزخر بعبارات الحب المتبادل بين الزوجين، مثل ما كتب في مقبرة “خا وزوجته مريت”: “أحبك كما أحب الحياة، فأنت نسيم قلبي ومصدر سعادتي.”

تكامل الأدوار لا صراع

يخلص الدكتور قاسم زكي إلى أن المنظومة الفكرية المصرية القديمة لم تقم على صراع بين الرجل والمرأة، بل على التكامل والاحترام المتبادل. كان لكل منهما دور متكامل يساهم في استقرار الأسرة وتماسك المجتمع، وهو ما جعل الحضارة المصرية من أرقى الحضارات القديمة في تقدير مكانة الزوجة.

ويؤكد أن عبقرية الزوجة المصرية القديمة لم تكن مجرد شأن أسري، بل ركيزة لاستقرار المجتمع وازدهاره، فهي التي وفرت بيئة متوازنة لتربية الأبناء، ودعمت الاقتصاد الأسري، وأضفت بعدًا روحيًا على الحياة اليومية. نموذج ملهم لا يزال جديرًا بالاستلهام حتى اليوم.

الدكتور عبد الرحيم ريحان