بأقلامهم

اللواء الدكتور ” سمير فرج ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : كيف خدعت حماس المخابرات الإسرائيلية؟

في يوم 13 سبتمبر، 2025 | بتوقيت 3:37 مساءً

في الساعة الثالثة وخمس وأربعين دقيقة من فجر يوم الثلاثاء الماضي، شنت القوات الجوية الإسرائيلية غارة جوية عنيفة على العاصمة القطرية الدوحة، بعد أن تلقت معلومات استخباراتية أن اجتماعًا مصيريًا لقيادات حركة حماس سوف ينعقد في إحدى الفيلات الفاخرة شمال المدينة. وكانت الأسماء التي استهدفتها إسرائيل تضمنت خليل الحية نائب رئيس المكتب السياسي، وخالد مشعل القائد الأسبق للحركة، وزاهر جبارين المسؤول عن ملف الضفة الغربية، إلى جانب بسام نعيم وغازي أحمد وطاهر النونو مستشار رئيس الحركة. وكان الاجتماع مخصصًا لاتخاذ قرار نهائي حول المقترح الأمريكي الأخير لوقف إطلاق النار في غزة، وقد رأت إسرائيل أن اغتيال هؤلاء القادة في مكان واحد يمثل فرصة ذهبية لا تتكرر كثيرًا.

مصادر إسرائيلية اكدت أن العملية المشتركة بين الجيش وجهاز الشاباك حملت اسم “قمة النار”، حيث حددت مقر الاجتماع في مبنى وصفته الصحافة العبرية بأنه ” يوم القيامة”، في إشارة إلى أهمية الهدف. وبالفعل، أطلقت الطائرات الإسرائيلية ثمانية صواريخ دقيقة نحو المبنى، الذي يقع في منطقة راقية يسكنها دبلوماسيون وشخصيات بارزة وتوجد بها سفارات أجنبية. حيث أحدثت الانفجارات دويًا هائلًا، لكن النتائج جاءت صادمة لتل أبيب. فقد أعلنت حماس في بيان مساء ذلك اليوم أن قادتها جميعًا بخير، وأن الضحايا اقتصروا على عدد من المرافقين والحراس.

والذين سقطوا شهداء في العملية كانوا جهاد لبّاد مدير مكتب خليل الحية، وهمام الحية نجل القيادي الكبير، ومؤمن حسونة أحد الحراس الشخصيين، إضافة إلى أحمد المملوك وعبد الله عبد الواحد من المرافقين. ومن الجانب القطري، قُتل العريف بدر سعد محمد الدوسري من قوة الأمن الداخلي، الذي كان في نوبة حراسة للموقع. وهكذا تحولت العملية التي كان يُراد لها أن تكون إنجازًا استراتيجيًا إلى فشل مدوٍ على المستويين العسكري والاستخباراتي.

السؤال الجوهري هو: كيف تمكنت حماس من خداع جهاز أمني يوصف بأنه من أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم؟ الجواب يكمن في تكتيك بسيط لكنه بالغ الذكاء. فقد أوضحت صحيفة وول ستريت جورنال أن قادة الحركة بدأوا يشكّون حين أصرت واشنطن على مشاركة خالد مشعل في الاجتماع رغم ابتعاده عن القيادة، وكذلك عندما طُلب عقد اللقاء في فيلا خاصة بدلًا من الفنادق التي اعتادوا الاجتماع فيها. هذه الشكوك دفعتهم إلى اتباع خطة مضادة: إرسال هواتفهم المحمولة مع الحراس إلى الفيلا، بينما عقدوا هم اجتماعهم الحقيقي في مكان آخر بعيد عن الأعين.

بمجرد دخول الهواتف إلى المبنى، التقطت الاستخبارات الإسرائيلية إشاراتها الإلكترونية، وافترضت أن القيادات المستهدفة حاضرة بالفعل بسبب اعتماد الشاباك المفرط على التكنولوجيا دون تأكيدات بشرية إضافية تقود إلى قرار الضربة. النتيجة أن إسرائيل قصفت مكانًا خاليًا من أي قيمة استراتيجية، في حين خرج القادة سالمين، وأصبحت العملية مثالًا حيًا على أن التكنولوجيا قد تتحول إلى نقطة ضعف إذا لم تُدعَم بذكاء بشري.

ردود الفعل الدولية جاءت غاضبة. فقد ذكرت مصادر أمريكية أن الرئيس دونالد ترامب اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلهجة شديدة، معبرًا عن استيائه من تنفيذ الهجوم دون تنسيق، خاصة أنه استهدف أراضي دولة حليفة للولايات المتحدة وتقوم بدور الوسيط. أوروبا لم تقف مكتوفة الأيدي، حيث أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رفضه لانتهاك سيادة قطر، وأكد دعمه الشخصي لأميرها. ألمانيا بدورها وصفت ما جرى بأنه غير مقبول، فيما عبّر رئيس الوزراء البريطاني عن قلقه وطالب إسرائيل بتغيير نهجها في إدارة الصراع.

أما العالم العربي فقد أظهر تضامنًا واسعًا مع قطر. ولي العهد السعودي قام بزيارة للدوحة تأكيدًا على دعم بلاده، كما حضر رئيس وزراء الإمارات في زيارة تضامنية مماثلة. مصر أعلنت عبر وزير خارجيتها وبموافقة الرئيس دعمها الكامل لقطر، وأكد ملك الأردن ومعظم الدول العربية الموقف ذاته. في المقابل قررت الدوحة تجميد مشاركتها كوسيط في المفاوضات، وهو ما زاد الموقف تعقيدًا وأضعف جهود التهدئة.

كثير من المحللين رأوا أن نتنياهو كان يسعى بالأساس إلى إضعاف دور قطر الوسيط حتى يضمن استمرار الحرب في غزة، مما يمنحه مكاسب سياسية داخلية ويجنّبه ضغوط وقف العمليات. غير أن الفشل الاستخباراتي غطى على أي أهداف سياسية محتملة، وترك إسرائيل في مواجهة عاصفة دبلوماسية غير مسبوقة.

خلاصة هذه العملية أن حماس تمكنت من قلب موازين الصراع الاستخباراتي بخدعة متقنة، حين حولت الهواتف المحمولة إلى طُعم إلكتروني استدرج إسرائيل إلى استهداف هدف وهمي. لقد خسر الشاباك رهانه على التكنولوجيا، بينما كسبت حماس معركة ذكاء أمني أظهرت فيها أن الحرب الحديثة لا تُحسم فقط بامتلاك الطائرات الدقيقة أو أجهزة المراقبة المتطورة، بل بالقدرة على التلاعب بالمعلومة وتوقع رد فعل الخصم. وهكذا أثبتت معركة الدوحة أن التفكير المرن والابتكار يمكن أن يحقق ما تعجز عنه أحدث الأسلحة.

ولكن مازالت مصر تسعى لتحقيق وقف اطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية الى أهالي غزة.

كاتب المقال

اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج

Email: [email protected]

واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية

ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.

تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963.

والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.

تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973.

والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.

فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.

تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.

لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.

وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخبار اليوم.