أخيرًا تنفس الصحفيون الصعداء… بعد أكثر من عامين من الوعود المعلقة والمطالبات التي ذهبت أدراج الرياح، جاء القرار المنتظر من الرئيس عبد الفتاح السيسي بالموافقة على زيادة بدل المراجع المخصص للصحفيين. لحظة من النشوة الممزوجة بالدهشة؛ فالقضية التي كانت حبيسة الأدراج خرجت بقرار رئاسي، لا بمبادرة من مجلس النقابة، ولا بتفعيل الاتفاق القديم مع وزارة المالية.
مشهد البهجة كان واضحًا؛ ابتسامات في أروقة الصحف والمواقع، رسائل تهنئة متبادلة على المجموعات، ونبرة ارتياح في أحاديث المكاتب والمقاهي القريبة من شارع عبد الخالق ثروت. فالبدل بالنسبة للصحفي ليس مجرد رقم على قسيمة الراتب، بل طوق نجاة وسط بحر الغلاء، ووسيلة لشراء الكتب والمراجع وتطوير أدوات العمل التي صارت أكثر كلفة من أي وقت مضى.
لكن، وسط هذه الفرحة، يطل واقع جديد علينا: أي زيادة مستقبلية لن تأتي إلا بقرار من الرئيس نفسه. لم تعد وزارة المالية ولا مجلس الوزراء يملكون مفتاح الزيادة كما كان الحال لعقود.
انتهى زمن أن يتحول البدل إلى “هدية انتخابية” يلوّح بها المرشحون لمقعد النقيب في كل دورة. أصبح الأمر الآن مرهونًا بإرادة سياسية على أعلى مستوى، وهو ما يحمل دلالة مزدوجة: حماية القرار من العبث، وفي الوقت نفسه وضع الصحفيين في انتظار طويل قد يتكرر كل بضع سنوات.
هذه الحقيقة تضع مجلس النقابة أمام اختبار حقيقي. فالمجلس الذي وقف متفرجًا طوال الفترة الماضية، ولم يضغط لتنفيذ الاتفاق المبرم منذ سنوات بزيادة سنوية 30%، عليه الآن أن يعيد تعريف دوره. ليس مقبولًا أن نظل ننتظر “العطايا” بدل أن نؤسس لآلية عادلة ومستقرة تحفظ حق الصحفي في بدل يتماشى مع غلاء المعيشة.
قرار الرئيس هذه المرة أنقذ الموقف وأعاد رسم البسمة على وجوه آلاف الصحفيين، لكنه في الوقت نفسه ترك لنا سؤالًا مفتوحًا: هل ستظل مهنة البحث عن الحقيقة، بكل ما تحمله من مشقة ومسؤولية، أسيرة انتظار توقيع من القصر الرئاسي؟
حتى ذلك الحين، يظل الامتنان واجبًا، لكن الدرس أوضح من أن يُتجاهل: الحقوق تُنتزع وتُدافع عنها بالمؤسسات، لا بالصدف ولا بالمصادفات السياسية!!َ.
كاتب المقال
سعيد جمال الدين سرحان
عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير لبوابة المحروسة الإخبارية المحروسة نيوز
مؤسس ورئيس شعبة الصحافة السياحية بنقابة الصحفيين
