أخباربأقلامهممنوعات

“سعيد جمال الدين” يكتب : “يسرية لوزة ساويرس”.. “الهانم” التى جمعت بين القمامة والكرامة

في يوم 8 أغسطس، 2025 | بتوقيت 9:26 صباحًا

في بلدٍ كثيرًا ما تُشوّه فيه النماذج، وتُهمّش فيه العظماء، تطلّ علينا سيدة من عمق الصعيد المصري، من رحم الجذور الطيبة، ومن قلب التحدي، لتُعيد تعريف معنى “القوة”، و”الثروة”، و”الرحمة” في آنٍ واحد. إنها السيدة يسرية لوزة ساويرس، زوجة رجل الأعمال الراحل أنسي ساويرس، وأم أغنى ثلاثة رجال في مصر: نجيب، وسميح، وناصف، لكنها قبل كل شيء… “الهانم” التي اختارت أن ترفع القمامة وتُنقّي القلوب.

امرأة من ذهب.. لا من ذهبٍ فقط

من مواليد 31 ديسمبر 1935 بمدينة منفلوط بمحافظة أسيوط، كانت يسرية لوزة صعيدية حتى النخاع، نشأت على قيم الإيمان والعمل والاحترام. وفي عام 1952 التقت بالشاب الطموح أنسي ساويرس، وتزوجا بعد قصة حب خالدة، بدأت برومانسية وانتهت بشراكة عمر ملهمة.

لكن الأحلام اصطدمت بواقع التأميم في عهد عبد الناصر، حين صودرت ممتلكات زوجها، واضطر للسفر إلى ليبيا ليبدأ من جديد، بينما بقيت “الهانم” في مصر تتحمل مسؤولية تربية الأبناء، بثبات وإيمان.

أمٌ تصنع رجالاً.. وسيدة تصنع مجتمعًا

علمتهم الصلاة، والخوف من الله، وحب الناس. كانت تصطحبهم كل أحد إلى الكنيسة، وتحرص على اصطحابهم إلى حي الزبالين، كي يروا الواقع كما هو.

وعندما سألها ابنها نجيب يومًا:”ليه بتاخدينا حي الزبالين؟”..أجابت ببساطة الأم العظيمة: “عشان تشوفوا الناس عايشة إزاي، وإحنا عايشين إزاي. فتشكروا ربنا، وتفكروا لما تكبروا هتعملوا إيه للناس دي.”

القمامة.. مشروع للكرامة

لم تكتفِ بدورها كزوجة وأم، بل قررت أن تعمل وتُنتج، ليس في العقارات ولا البنوك، بل في تدوير القمامة.

أرادت أن تغيّر نظرة المجتمع لجمع القمامة، وأن ترفع من مستوى حياة عشرات الآلاف من الرجال والنساء الذين يعيشون على هامش المدن.

أسست شركة “ارتقاء”، وسرعان ما أصبحت واحدة من أنجح شركات جمع وتدوير المخلفات في مصر، تُصدّر المواد المعاد تدويرها إلى دول مثل الصين، وتُنتج السماد، والطوب، والبلاستيك، وحتى الحُليّ من مخلفات المطاعم.

من ذهب إلى دهب… إلى قلوب الفقراء

ما يميز يسرية لوزة أنها لم تجعل من النجاح غاية شخصية، بل وسيلة لخدمة الناس. خصصت الجزء الأكبر من أرباحها لعمل الخير:

تبرعت بـ 25 مليون جنيه لمستشفى الجهاز جي بجامعة المنصورة.

موّلت 580 عملية زراعة كبد لمرضى فقراء، ولم تفرق بين مسلم ومسيحي.

أنشأت مطعمًا خيريًا لإطعام الفقراء مجانًا.

أسست مدرسة ومستشفى في حي الزبالين لخدمة عائلات العاملين في جمع القمامة.

عالجت 20 ألف مريض من فيروس سي.

الجوائز لا تهم.. “رصيدي في السما” أهم

رغم حصولها على عدد من الجوائز الدولية والمحلية، ظلت “الهانم” ترفض أن يُسلَّط الضوء على شخصها. كانت دائمًا تقول:”أنا خايفة الجوايز دي تقلل رصيدي في السما.”

فأيّ طهر هذا الذي يُخاطب السماء بهذا الإخلاص، وسط عالم لا يرى إلا الكاميرات والأرقام؟

امرأة لا تُقاس بثروة.. بل بأثر

يسرية لوزة ليست فقط زوجة الملياردير أنسي ساويرس، ولا والدة نجيب وناصف وسميح، بل هي رمزٌ لامرأة مصرية من الطراز الرفيع، تمثل وجهًا حقيقيًا للثراء الإنساني، والبُعد الاجتماعي للنجاح الاقتصادي.

قد لا تتصدر صورها أغلفة المجلات، لكنها في وجدان الآلاف الذين أطعمَتهم، علّمتهم، واحتضنتهم بحبٍ أموميّ نادر.

وفي زمن ضاعت فيه القدوة، تظل “الهانم” نموذجًا يُحتذى.. للرجال والنساء، للأغنياء والفقراء، ولمن يبحثون عن المعنى الحقيقي للإنسانية.

كاتب المقال

سعيد جمال الدين سرحان

رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير بوابة المحروسة نيوز

عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين 

مؤسس ورئيس شعبة الصحافة السياحية بنقابة الصحفيين 

الأمين العام للمنتدى العالمى لخبراء السياحة والسفر 

الأمين العام لصااون الرواد بنقابة الصحفيين 

عضو الجمعية العمومية لجمعية الكتاب السياحيين المصريين 

عضو الجمعية العمومية لجمعية كتاب البيئة والتنمية