طريق النجاح صعب وشاق، وقد يكون طويلاً، لكنه ليس مستحيلاً. فالنجاح غالبًا ما يكون ثمرة الإتقان والإرادة والتصميم والروح الخلّاقة، وهي عناصر جوهرية في مسيرة التميز، سواء في الحياة العامة أو في الوصول إلى أرقى الجوائز العالمية مثل “نوبل”، بل هي أيضًا من سُبلنا إلى الجنة كما وعدنا الله تعالى.
لذلك، يجب أن يسعى كل منا في عمله واضعًا نصب عينيه أن يكون الإتقان هدفًا ورسالة. وليجعل من إصراره ومثابرته نورًا يُضيء له طريقه؛ فبهذا يحقق الجوائز الحقيقية: رضا النفس ورضا الله.
وبمناسبة يوم المرأة الأفريقية، أود أن أستعرض تجربة رائدة تُجسد هذا الطريق الشاق نحو النجاح؛ تجربة العالِمة الكينية الدكتورة وانجاري ماثاي، الناشطة في مجال البيئة والتنمية المستدامة، والتي كانت أول سيدة أفريقية تفوز بجائزة نوبل للسلام.
وقد جاء في حيثيات منحها الجائزة أن “السلام على الأرض يعتمد على قدرتنا على حماية البيئة التي نعيش فيها”، وأن ماثاي كانت من أبرز المناضلين لتحقيق تنمية اقتصادية وثقافية واجتماعية متناغمة مع البيئة في كينيا وأفريقيا.
لقد كانت تفكر على المستوى العالمي وتطبّق على المستوى المحلي، وكانت أول سيدة في شرق أفريقيا تنال الدكتوراه في العلوم البيولوجية وتُدرّس في الجامعة.
قالت ماثاي: “العديد من الحروب في العالم تُخاض بسبب الموارد الطبيعية. ونحن نزرع بذورًا للسلام، للحاضر والمستقبل معًا. فزراعة الأشجار تُبطئ التصحر وتوفّر مصدرًا للطاقة”.
وقد أسست حركة “الحزام الأخضر”، وزرعت نحو 20 مليون شجرة في مختلف أنحاء أفريقيا، في مسعى لمكافحة التصحر الذي يفاقم الفقر. وتشير التقديرات إلى أن المستعمر البريطاني والمزارعين المحليين أزالوا نحو 75% من الغابات في كينيا على مدار 150 عامًا، ولم يتبقَّ سوى 2% فقط من أراضي كينيا مغطاة بالغابات.
استراتيجية الجماعة لم تقتصر على حماية البيئة فقط، بل كانت تسعى لتأسيس تنمية بيئية مستدامة. وقد عبّرت منظمات بيئية عالمية، مثل Greenpeace، عن ترحيبها بحصول ناشطة بيئية على الجائزة لأول مرة، مما يعكس العلاقة المتزايدة بين حماية البيئة والأمن العالمي.
وعلى ذات المسار، تبنّت مصر استراتيجية وطنية للبيئة من عام 2005 إلى 2017، ومن بين برامجها إدخال البُعد البيئي في خطط التنمية، وخفض معدلات التلوث في الهواء، من خلال خطة للتشجير وزيادة المسطحات الخضراء حول القاهرة الكبرى والمدن الصحراوية، بما يهدف لتحسين المناخ وتقليل نسب التلوث الهوائي.
لقد كان حلم المهتمين بالبيئة في مصر هو إنشاء أحزمة خضراء حول المدن، على غرار التجارب الدولية. وكان إنشاء الطريق الدائري حول القاهرة والجيزة والقليوبية فرصة مثالية لتنفيذ هذا المشروع الطموح، كحزام أخضر كثيف يعمل كمصد للرياح المحملة بالأتربة القادمة من الصحراء الشرقية والغربية.
تلعب الأشجار دورًا حيويًا في امتصاص الغازات الضارة والغبار، وتساهم في كسر حدة الرياح، ما يحمي المناطق الحضرية المحيطة بالطرق ويُحسّن المنظومة البيئية ككل.
ومع تولي الدكتورة ياسمين فؤاد وزارة البيئة عام 2018، وهي الحاصلة على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وماجستير في العلوم البيئية من جامعة عين شمس، ودكتوراه في الاقتصاد من جامعة القاهرة، تم تنفيذ العديد من بنود الاستراتيجية الوطنية لحماية البيئة.
بدأت الوزيرة بملف مكافحة السحابة السوداء، وانتقلت إلى تطبيقات التنمية المستدامة بالتنسيق مع الجهات المختصة، وأطلقت مشروع زراعة 100 مليون شجرة في جميع المحافظات، كما طبّقت خطط الإدارة الخضراء في المنشآت الحكومية والفنادق والمنتجعات السياحية، لتشمل ترشيد استهلاك المياه والطاقة وإدارة المخلفات.
وجاء اختيار الأمم المتحدة للدكتورة ياسمين فؤاد كأمين تنفيذي لاتفاقية مكافحة التصحر، ليؤكد على الدور الفاعل للمرأة الأفريقية في النشاط البيئي العالمي، منذ فوز ماثاي بجائزة نوبل عام 2005 وحتى اختيار ياسمين فؤاد عام 2025.
ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لكل من يعمل بإخلاص وجهد وإصرار من أجل حماية البيئة وصحة الإنسان، وأن يحفظ بلادنا من كل شر وتلوث وفساد.



