في زمنٍ اختلط فيه الفن الأصيل بالضجيج، والموهبة الحقيقية بالادعاء، والانحدار الفني بالشهرة الزائفة، ينهض الشاعر والفنان مصطفى كامل، نقيب المهن الموسيقية، بدور محوري لا يقل أهمية عن أدوار المؤسسات الثقافية الكبرى، بل يفوقها أحيانًا في تأثيره وجرأته.
من موقعه كنقيب، لم يتوانَ مصطفى كامل عن خوض معركة شرسة لحماية الذوق المصري العام، وضبط بوصلته التي انحرفت كثيرًا في السنوات الأخيرة، تحت ضغط الموجة الغنائية الهابطة التي اجتاحت الساحة دون حسيب أو رقيب.
صراع مصطفى كامل لا ينطلق من عداء شخصي لأحد، ولا من رغبة في تصفية حسابات، وإنما من إيمان عميق بأن الفن رسالة قبل أن يكون مهنة، وأن الأغنية المصرية ليست مجرد كلمات تُقال على ألحان صاخبة، بل أحد أعمدة الشخصية المصرية، ومرآة صادقة لقيم المجتمع وثقافته.
في وقتٍ باتت فيه بعض “الأغاني” تروّج للإثارة والانحلال، وتغذي الغرائز بدلًا من الذوق، وتبث رسائل تشوّه السلوك وتُضعف الروابط المجتمعية، وقف مصطفى كامل حائط صد عنيد. أعلنها صراحة: لا مكان في الساحة لمن لا يملك موهبة، ولا احترامًا للكلمة، ولا التزامًا بميثاق الشرف الغنائي.
ولأن لكل معركة ضريبة، فقد تحمّل مصطفى كامل – بشجاعة – وابلًا من التشويه الممنهج، ومحاولات النيل من سمعته ونقابته، شنّها من تضرروا من قراراته الجريئة، ممن اعتادوا اقتحام الساحة الغنائية دون تصاريح، وبعيدًا عن أي التزام أخلاقي أو مهني.
الأخطر أن هؤلاء المدعين وجدوا – وللأسف – بعض الحماية من مسؤولين استغلوهم في حفلات خاصة ومناسبات مغلقة، وفتحوا لهم الأبواب كي يستمروا في نشر فنٍ ملوّث، مقابل مكاسب آنية. وهكذا سُحب البساط من تحت أقدام الفن الحقيقي، وتراجعت مكانة الأغنية المصرية لحساب “الضوضاء” التي تُسوق على أنها فن.

في هذا المشهد المرتبك، بدا مصطفى كامل كمن يحمل شعلة الإنقاذ وسط عتمة الانحدار، مؤمنًا بأن ما لا يُنظّف اليوم، سيتحول غدًا إلى طوفان يُغرق الجميع، ويقضي على ما تبقى من قوة مصر الناعمة في محيطها العربي.
إن دعم مصطفى كامل اليوم ليس مجرد وقوف إلى جانب نقيب، بل هو دفاع عن هوية ثقافية، ووقوف في وجه انهيار أخلاقي وفني. إنها معركة على الوعي، والذوق، والمستقبل. وإذا تُرك فيها وحده، فلن يكون الخاسر هو مصطفى كامل، بل نحن جميعًا.
تحية واجبة لشاعر مصر ونقيبها الفنان مصطفى كامل، الذي يكتب بكلماته وأفعاله فصلًا جديدًا في معركة الفن الأصيل ضد الرداءة.



