في إحدى المحطات النورانية على مسار العائلة المقدسة بمصر، اصطحبتنا الدكتورة نعيمة داوود، الأستاذ المساعد في التاريخ البيزنطي ورئيس لجنة الدراسات القبطية بحملة “الدفاع عن الحضارة المصرية”، في رحلة توعوية وروحية إلى دير السيدة العذراء بجبل الطير شرق مركز سمالوط بمحافظة المنيا، ذلك الموقع الذي يحتل مكانة خاصة في قلوب الزائرين والباحثين على حدٍ سواء.
لماذا سُمّي بجبل الطير؟
يحمل الجبل هذا الاسم بسبب تجمع أسراب من طائر “البوقيرس” المهاجر في مواسم معينة، وهو ما أعطاه طابعًا بيئيًا فريدًا. لكنه يعرف أيضًا بأسماء أخرى ذات دلالات روحية مثل “جبل الكف” أو “جبل الصخرة”، وذلك لواقعة شهيرة تروى عن مرور العائلة المقدسة في نهر النيل بالقرب من هذا الموقع، وكادت صخرة أن تنهار فوق المركب الذي يقلّهم، فمدّ الطفل يسوع يده ومنع سقوطها، فطُبعت كفه على الصخرة، ليظل الأثر شاهدًا على المعجزة.
من بصمات الإمبراطورة هيلانة إلى الملك عموري
تشير الدكتورة نعيمة إلى أن الإمبراطورة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين، أمرت ببناء كنيسة في هذا الموقع المقدس، ليُعرف الجبل منذ ذلك الحين بجبل الكف. وتشير الروايات إلى أن الملك عموري الأول، ملك مملكة بيت المقدس (1163 – 1174م)، زار المكان وقطع جزءًا من الصخرة التي تحمل بصمة كف السيد المسيح.
زيارة المغارة الأثرية: في حضرة التاريخ والروح
رافقتنا الدكتورة نعيمة داوود خلال زيارتها إلى المغارة الأثرية التي استقبلها فيها الأب ثأوفيلس، حيث تقول المصادر إن العائلة المقدسة اختبأت فيها لمدة ثلاثة أيام. وتقع المغارة أسفل الكنيسة الأثرية مباشرة، وهي كنيسة محفورة في الصخر تحتوي على اثني عشر عمودًا ترمز للرسل، وتتميز بمعمودية نادرة النحت داخل أحد الأعمدة.

















من دير البَكرة إلى شجرة العابد
في الماضي، كان الوصول إلى الدير يتم عبر صندوق خشبي يُسحب بالحبال عبر بكرة ضخمة، ومنها جاء اسمه القديم “دير البَكرة”، أما الدرج الحالي المؤدي إلى الدير فيعود إلى أوائل القرن الثالث عشر الميلادي.
وعلى بعد نحو كيلومترين جنوب جبل الطير، وقفنا عند “شجرة العابد”، وهي من أشجار اللبخ دائمة الخضرة، وتُعرف بين أهالي المنطقة بأنها الشجرة التي سجدت للسيد المسيح أثناء مروره إلى الأشمونين، بحسب ما ورد في ميامر رحلة العائلة المقدسة.
فندق ومنافذ دير العذراء: الروح تُجاور الجمال
لم تخلُ الرحلة من لمسات عصرية وروحية معًا، فقد تجولت الدكتورة نعيمة داوود في فندق العائلة المقدسة التابع للدير، الذي بات مقصدًا عالميًا، واطّلعت على منافذ بيع منتجات الدير التي تلاقي إعجاب الزائرين.
أما المشهد العام، فكان لوحة ربانية خضراء ساحرة: خضرة تفترش الموقع أسفل الدير، تحتضن المكان بروحانية لا توصف، وتمنح الزائر شعورًا بالسكينة والبركة.
دعوة للتأمل وإحياء المسار
لم تكن الرحلة إلى دير العذراء بجبل الطير مجرد زيارة أثرية أو روحية، بل كانت دعوة مفتوحة للتأمل في عمق التاريخ المصري المتداخل مع التراث المسيحي، وتجسيدًا عمليًا لأهمية إحياء مسار العائلة المقدسة باعتباره كنزًا روحيًا وسياحيًا، وركيزة لنهضة السياحة الدينية في مصر.




