كان لحادث حريق سنترال رمسيس، الذي وقع منتصف الأسبوع الماضي، تبعات عديدة امتدت لتشمل عدة قطاعات حيوية، حيث تأثرت الخدمات بشكل جزئي أو كلي، وكان من أبرزها قطاعا البنوك والاتصالات. ولم يكن قطاع المطارات بمنأى عن هذه التأثيرات؛ إذ شهد مطار القاهرة وبعض المطارات المصرية تأخيرًا في ترحيل عدد من الرحلات، ما استدعى على الفور تفعيل خطة إدارة الأزمات بوزارة الطيران المدني، والمطارات المصرية، وشركة مصر للطيران، بقيادة وزير الطيران المدني الدكتور سامح الحفني.
وتم اتخاذ إجراءات فورية لتخفيف حدة الأزمة من خلال إيجاد بدائل تشغيل مؤقتة، إلى حين عودة الأمور إلى طبيعتها، وذلك بالتنسيق مع وزارة الاتصالات ومختلف الأجهزة المعنية بالدولة. وقد تجسّد هذا التنسيق في قدرة رجال الطيران والمطارات على التعامل مع الموقف بمرونة كبيرة، دون وقوع ارتباك أو تخبط، رغم أن العمل بالمطارات، في الظروف العادية، يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين جهات متعددة، فكيف إذا كانت الظروف استثنائية تتطلب جهودًا مضاعفة؟ وهو ما تحقق بالفعل.
الحقيقة أن رجال المطارات المصرية يثبتون، في كل طارئ، أنهم وطنيون بحق، وليسوا مجرد موظفين. ففي دول كثيرة، يكفي أن تحدث إضرابات أو أعطال في أنظمة التشغيل لتعاني المطارات من شلل تام، لكن الأمر مختلف في مصر، حيث يجيد العاملون فن ابتكار البدائل عندما تنفد الحلول التقليدية.
فعلى سبيل المثال، عندما وقع عطل عالمي في أنظمة تشغيل خدمات “مايكروسوفت” في يوليو 2024، وأدى إلى خلل واسع في حركة الطيران على مستوى العالم، لم تتأثر المطارات المصرية بهذا العطل، بفضل ما تتمتع به منظومة الطيران من مرونة تشغيلية وقدرة على إدارة الأزمات.
وفي ظل الأوضاع الجيوسياسية المتوترة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وما يترتب عليها من إغلاق متكرر للمجالات الجوية في بعض الدول المجاورة، استطاع رجال الملاحة الجوية المصرية امتصاص الضغط الناجم عن تكدس حركة الطائرات العابرة، التي باتت تفضّل التحليق في الأجواء المصرية الآمنة والمستقرة، وهو ما تم إداراته بانسيابية تامة.
وعندما ضربت جائحة كورونا العالم، وتوقفت حركة السفر، كانت المطارات المصرية على قدر التحدي، من خلال تطبيق آليات السلامة الصحية، والحصول على شهادات اعتماد صحية من المجلس العالمي للمطارات، لتعزيز الثقة في تجربة السفر عبر المطارات المصرية.
وبالعودة إلى حادث سنترال رمسيس، فإن الصورة لم تقتصر على تفاني رجال الطيران والمطارات فحسب، بل شهد موقع الحريق بطولات وتضحيات لرجال الحماية المدنية، والإسعاف، والشرطة، ومهندسي الاتصالات وغيرهم من المخلصين. كما برزت نماذج وطنية مشرفة في أماكن أخرى، من بينها أصحاب المطاعم ومحال الخدمات الذين راعوا ظروف تعطل الدفع الإلكتروني وساهموا في تخفيف الأعباء على المواطنين.
وفي الختام، يظل العنصر البشري في المطارات المصرية، وفي غيرها من المرافق الحيوية، هو الركيزة الأساسية التي تقوم عليها تلك المنظومة. وفي كل أزمة، يتجلى المعدن الأصيل للمصريين، الذين يظهرون كجنود مقاتلين لا يعرفون التراجع أمام التحديات.



