في زيارة ستظل عالقة في الوجدان، ضمن وفد جمعية كتاب البيئة والتنمية وعبر دعوة كريمة من معالى الفريق أسامة ربيع ، رئيس هيئة قناة السويس ، خطونا بالأمس إلى أحد أهم وأجمل المتاحف التي أنشئت في مصر الحديثة، متحف قناة السويس بالإسماعيلية ، هذا الصرح الفريد الذي لا يُمكن اختزاله فقط كمتحف، بل هو وثيقة وطنية نابضة بالحياة، ومشهد بصري يروي آلاف السنين من الإرادة المصرية التي حفرت المجد في قلب الجغرافيا، وربطت الشرق بالغرب، والجنوب بالشمال.
يقف المتحف اليوم شامخًا، ليس فقط باعتباره ذاكرة وطن، بل كشاهد حي على عبقرية المصريين وعبء التحدي الذي حملوه لقرون، بدءًا من القنوات القديمة، وحتى معجزة قناة السويس الجديدة في 2015.
رسالة حضارية في قلب الإسماعيلية
يحمل متحف قناة السويس رسالة تتجاوز نطاق الجدران والمعروضات، فهي رسالة حضارية وثقافية وتنموية متكاملة، تجسد الدور المحوري لقناة السويس في خدمة الإنسانية، والتجارة العالمية، عبر العصور. فالقناة لم تكن مجرى ملاحيًا فقط، بل صناعة أمة.
يسرد المتحف تاريخ القناة منذ افتتاحها في القرن التاسع عشر، مرورًا بمحطات فارقة من التطوير، والتأميم، والتحديات العسكرية، وحتى اليوم، حيث تشهد القناة تطورًا نوعيًا يجعلها من أهم شرايين الملاحة العالمية.
البيت الفرنسي الذي تحول إلى بيتٍ للتاريخ
يقع المتحف داخل المقر الإداري القديم لشركة قناة السويس العالمية، ذلك المبنى العريق الذي شيّده الفرنسيون بأمر من فريديناند ديليسبس عام 1862، وافتتحه رسميًا الخديوي إسماعيل بنفسه عام 1869. وهو مبنى ذو طراز معماري يجمع بين الروح الإسلامية والأوروبية، مساحته عشرة آلاف متر مربع، تتخلله حدائق وممرات وشبكة أنفاق داخلية، ويضم أكثر من 100 حجرة ومرافق تاريخية.
من بين ما يحمله هذا المبنى من رمزية، أنه كان نقطة انطلاق القرار التاريخي بتأميم قناة السويس عام 1956، حيث انطلقت شرارة السيادة المصرية من مكاتبه.
أقرأ أيضاً بعثة الاتحاد الأوروبي تحتفي بمتحف قناة السويس خلال احتفالات تعويم إيفرجيفن
متحف من الطراز العالمي.. 12 قاعة تحكي الرواية الكاملة
تم تحويل المبنى إلى متحف متكامل عام 2023 بعد ثلاث سنوات من الترميم الدقيق، نفذته شركة المقاولون العرب، بالتعاون مع وزارة الآثار ومركز هندسة الآثار بجامعة القاهرة.
أقرأ أيضاً السفير الإيطالي بالقاهرة يزور متحف قناة السويس ويشيد بدوره الحضاري والتاريخي
المتحف يقع على مساحة 10 ألاف متر مربع ، يضم نحو 2000 قطعة أثرية ووثائق ومجسمات نادرة، موزعة على 12 قاعة عرض، تغطي رحلة القناة من عصور ما قبل الأسرات وحتى مشروع القناة الجديدة.
- قاعة: الحياة البحرية في عصر ما قبل الأسرات
- قاعة : القنوات القديمة
- قاعة : طرق التجارة البحرية القديمة
- قاعة: مشروع الحفر
- قاعة : طريق الحرير
- قاعة : مشروعات القناة والحداثة
- قاعة: تطور صناعة المراكب
- قاعة الاحتفالية 1: العربات الملكية
- قاعة الاحتفالية 2: سعيد باشا
- قاعة الاحتفالية 3: الخديوي إسماعيل
- قاعة : التأميم
- قاعة : قناة السويس الجديدة
تفاصيل تأسر الزائر.. حيث تنطق الجدران بالشهادة
في جولتنا، لفت نظرنا الصالون الأصلي الذي جلست فيه الملكة أوجيني، والأنتريه الذي أعده الخديوي إسماعيل خصيصًا لها. كما أبهرنا تمثال ديليسبس الضخم، ومركب أثري خشبي نادر، وعربات قطارات تعود لفترة الحفر، ووثائق أصلية تحمل توقيعات تاريخية.
المتحف لا يُخفي معاناة المصريين، بل يُبرزها بوضوح، من خلال عرض أدوات الحفر البدائية، والزي الرسمي للعمال والمهندسين، وأول أسنان الحفارات، في تحية إجلال لتاريخ السخرة والمقاومة.
أقرأ أيضاً نقل مجموعة من مقتنيات الإمبراطورة اوجينى وعرضها بمتحف هيئة قناة السويس
حديقة التاريخ وسلالم الذاكرة
تحيط بالمتحف حديقة ذات تصميم تراثي تضم قطعًا معمارية أصلية، وأماكن للجلوس والزيارات التعليمية، في مشهد متناغم مع الطراز المعماري الأصيل للمبنى. وتُكمل السلالم الخشبية والنوافذ الأثرية المشهد، في انسجام يليق بعظمة المكان.
رسالة تقدير من القلب إلى هيئة قناة السويس
لا يسعني في ختام هذه الجولة إلا أن أوجه أسمى آيات التقدير والإعجاب لهيئة قناة السويس، برئاسة معالي الفريق أسامة ربيع، على ما أولته من اهتمام بهذا المشروع الثقافي المتفرد، الذي يعيد الاعتبار لتاريخ القناة وللشعب المصري الذي صنعها.
ما أنجزته الهيئة لا يقل أهمية عن حفر قناة السويس الجديدة، فصيانة الذاكرة لا تقل قدسية عن صنع المستقبل. ومن هنا، أدعو جميع المؤسسات الثقافية والسياحية والتعليمية إلى وضع متحف قناة السويس في مقدمة المزارات الوطنية، لما يحمله من قيمة تعليمية، وتاريخية، ووطنية لا تقدر بثمن.
✍️
بقلم
سعيد جمال الدين
رئيس مجلس الإدارة
رئيس تحرير بوابة المحروسة الإخبارية
المحروسة نيوز
