
تُعد المطارات واجهة الدول وأحد أهم المؤشرات على تقدمها الاقتصادي والتكنولوجي. ومع تسارع الابتكار العالمي، ظهرت مفاهيم “المطارات الذكية” و”المطارات الصديقة للبيئة” كاتجاهات رئيسية لإحداث ثورة في تجربة السفر وتقليل الأثر البيئي. ومع سعي مصر لتعزيز موقعها كمركز إقليمي للطيران والسياحة، يصبح التحول نحو هذه النماذج ضرورة ملحة لا خيارًا.
ما هو المطار الذكي؟
المطار الذكي هو منشأة تستخدم تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء (IoT)، التحليلات الضخمة، وتكنولوجيا الاتصال السريع (5G)، لتحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز أمان الرحلات، وتقديم تجربة سفر سلسة ومخصصة للمسافرين.
وتشمل ملامح المطار الذكي:
- بوابات إلكترونية للسفر دون تلامس (باستخدام التعرف على الوجه أو بصمات الأصابع).
- أنظمة ذكية لإدارة الأمتعة لتقليل الفقدان أو التأخير.
- مراقبة لحظية عبر الكاميرات والاستشعارات لتدفق الركاب والبضائع.
- تطبيقات مخصصة للمسافرين لإرشادهم داخل المطار وتقديم العروض والخدمات.
- مرافق تشغيل آلية مثل الروبوتات لخدمة العملاء أو التنظيف.
المطارات الصديقة للبيئة
بالتوازي مع الرقمنة، يتزايد التوجه نحو مطارات تقلل من تأثيرها السلبي على البيئة عبر:
- استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية وطاقة الرياح.
- تصميمات معمارية خضراء تقلل من استهلاك الطاقة والمياه.
- إدارة النفايات بطرق مستدامة عبر إعادة التدوير وتقليل المخلفات.
- مبادرات لتعويض الكربون مثل زراعة الأشجار أو الاستثمار في مشاريع بيئية.





أمثلة حية ملهمة
عدة مطارات عالمية أصبحت نماذج يُحتذى بها في التحول الذكي والمستدام، منها:
مطار شانغي في سنغافورة: يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوجيه الركاب، بالإضافة إلى حدائق داخلية عملاقة تعزز التوازن البيئي.
مطار حمد الدولي في الدوحة: اعتمد نظام مراقبة ذكي للطاقة والمياه، مع التركيز على التصاميم البيئية المستدامة.
مطار هيثرو في لندن: يهدف لأن يكون محايدًا للكربون بحلول 2030 عبر الطاقة النظيفة ومبادرات خفض الانبعاثات.
كيف يمكن لمصر التحرك نحو هذه النماذج؟
رغم التحديات، تمتلك مصر فرصًا كبيرة للريادة في هذا المجال، خاصة مع خطط تطوير مطار القاهرة الدولي ومشروعات مثل مطار العاصمة الإدارية ومطار سفنكس الدولى . يمكن تحقيق التحول عبر:
1. رسم خريطة طريق للتحول الرقمي في جميع المطارات، تتضمن تبني حلول ذكية تدريجيًا.
2. الاستفادة من الخبرات الدولية من خلال شراكات مع مطارات عالمية رائدة.
3. إطلاق مبادرات الطاقة النظيفة عبر تحويل مباني المطارات إلى منشآت تعمل بالطاقة الشمسية أو الطاقة النظيفة الأخرى.
4. تشجيع الابتكار المحلي من خلال دعم شركات التكنولوجيا المصرية لتطوير حلول ذكية مخصصة لبيئة المطارات.
5. إعداد الكوادر البشرية عبر برامج تدريب متخصصة في إدارة وتشغيل الأنظمة الذكية والمستدامة.
نموذج مختصر لخطة عمل مستقبلية
لكي تحقق مصر هذا التحول، يمكن تبني خطة عمل من خمس مراحل:
المرحلة الأولى: تقييم الوضع الحالي
مسح شامل للتقنيات والممارسات البيئية المستخدمة حاليًا في كل مطار.
المرحلة الثانية: إعداد البنية التحتية
تركيب شبكات اتصال عالية السرعة، وأنظمة إدارة ذكية للطاقة والمياه، وبوابات إلكترونية للتعرف الآلي على المسافرين.
المرحلة الثالثة: تطبيق المشاريع التجريبية
اختيار مطار أو اثنين (مثل مطار القاهرة أو الغردقة) كنموذج تجريبي لتطبيق التحول الكامل.
المرحلة الرابعة: التوسع والانتشار
توسيع التجارب الناجحة إلى باقي المطارات المصرية، مع تطوير معايير موحدة للتحول الرقمي والاستدامة.
المرحلة الخامسة: التقييم المستمر
- إنشاء وحدة مركزية لمراقبة الأداء، وضمان التحديث المستمر للتقنيات بما يواكب أحدث الابتكارات.
نصائح عملية لمصر في رحلتها نحو المستقبل
- دمج التقنيات الجديدة مثل “التذاكر البيومترية” و”الأمتعة ذاتية التتبع” بدايةً في المطارات الدولية الكبرى.
- تصميم حملات توعية للمسافرين والموظفين بأهمية الحفاظ على البيئة داخل المطار.
- وضع معايير بيئية إلزامية في أي مشروع تطوير أو إنشاء مطارات جديدة.
- الاستثمار في البحث والتطوير لتطبيق حلول ذكية تلائم طبيعة المناخ المصري وتحدياته.
- تبني شهادة “المطار الأخضر” من المؤسسات العالمية المعنية كهدف لكل مطار بحلول عام 2030.
التحول نحو مطارات ذكية وصديقة للبيئة ليس رفاهية بل استثمار استراتيجي لمستقبل مصر السياحي والاقتصادي. ومع الإرادة السياسية، والتخطيط الذكي، والتعاون مع القطاع الخاص، تستطيع مصر أن تقدم للعالم تجربة سفر تجمع بين التكنولوجيا والاستدامة، وتؤكد مكانتها كقوة إقليمية صاعدة.
وأخيراً نحن في زمن تتغير فيه قواعد اللعبة، وتُرسم خرائط جديدة للريادة، هناك من يكتفي بالمشاهدة… وهناك من يصنع المستقبل.