
كتبت الدكتور عبد الرحيم ريحان
أثار سؤال طرحته’ المحروسة نيوز ” عبر “حملة الدفاع عن الحضارة المصرية” نقاشًا واسعًا بين خبراء الآثار والترميم وعشاق التراث حول جدوى إقامة حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية في المواقع الأثرية أو داخل الحرم الأثري. ما بين مؤيد يرى في ذلك فرصة للتسويق السياحي ودعم الصيانة والترميم، ومعارض يخشى على القيمة التاريخية من العبث أو التلف، جاءت آراء الخبراء لتشكل مشهدًا غنيًا بالتنوع، ومشحونًا بالحب العميق للآثار المصرية.
الاستثمار الذكي للمواقع الأثرية
يرى د. محمد علي حسن، الباحث في التسويق السياحي والآثار المصرية، أن استغلال المواقع الأثرية كمراكز لإقامة الفعاليات فكرة تحمل ذكاءً تسويقيًا ورؤية اقتصادية عميقة. إذ تتحول حفلات الزفاف والعروض الفنية التي تُقام عند سفح الأهرامات أو داخل معبد حتشبسوت إلى مادة دعائية مجانية لمصر عالميًا، مع تحقيق دخل مباشر من رسوم التأجير، وعائد غير مباشر عبر تنشيط السياحة.
لكنه يضع ضوابط حاسمة منها:
- تسعير استخدام المواقع بما يتناسب مع قيمتها التاريخية.
- تخصيص العوائد كاملة لصالح صيانتها.
- ضبط نوعية الفعاليات لتقتصر على المناسبات الثقافية الراقية.
- الالتزام بالمعايير العلمية للصوت والإضاءة لتفادي التأثيرات الضارة على الأحجار والنقوش.
تجربة اليابان.. نموذج يحتذى
أوضح د. أسامة صالح، المتخصص في الآثار الإسلامية، أن العالم يشهد بالفعل تنظيم فعاليات في مواقع تراث عالمي مثل اليابان، لكن بضوابط صارمة تحافظ على البانوراما البصرية والسمعية للموقع التراثي، وهي أمور كثيرًا ما تغيب عن تطبيقنا المحلي.
دعم للعاملين بالآثار
من جانبه، أيد خبير الترميم صلاح الهادي إقامة المناسبات بالأماكن الأثرية، بشرط عدم الإضرار بالأثر واحترام القيم والعادات المصرية. وطالب بأن يظهر جزء من العائد المالي في تحسين ظروف عمل وحياة موظفي الآثار الذين يعيشون أوضاعًا صعبة رغم دورهم الحيوي في حماية التراث.
رفض قاطع حفاظًا على الموروث الحضاري
في المقابل، رفض د. حسن قلاد، مفتش آثار إسلامية، هذه الفكرة تمامًا، مؤكدًا أن المواقع الأثرية ليست أماكن ترفيه بل موروث حضاري يجب استخدامه فقط لأغراض تعليمية وثقافية تبرز قيمته.
بين القبول المشروط والرفض المشدد
تبنى الخبير فاروق شرف، مستشار حملة الدفاع عن الحضارة، موقفًا وسطًا مؤكدًا أنه “يوافق ولا يوافق”، واضعًا قائمة شروط صارمة منها:
- تصريح رسمي بعد مراجعة فنية دقيقة.
- قصر الفعاليات على المناسبات الثقافية الراقية.
- استخدام تجهيزات مؤقتة خفيفة لا تمس الأثر.
- تحديد عدد الحضور وزمن الفعالية.
- فرض تأمين مالي لضمان الإصلاح في حالة الضرر.
- تقديم توعية ثقافية خلال الفعالية.
كما استشهد فاروق شرف بتجربة الأوقاف الإسلامية قديمًا التي دمجت بين العبادة والتجارة لدعم صيانة المنشآت الأثرية عبر عوائد الأسواق والوكالات المرتبطة بالمساجد، داعيًا إلى تفعيل نماذج التمويل المستدام للأثر في الوقت الحاضر.
الصوت والضوء.. أعداء خفيون للآثار
أشار خبير الترميم حمدي يوسف إلى المخاطر العلمية الناتجة عن الحفلات، حيث تتسبب الترددات الصوتية العالية والأضواء القوية في إحداث اهتزازات وتلفيات دقيقة للمسطحات الحجرية والنقوش، ما يعجل بتدهور حالة الآثار.
بين الحماية والتنمية
أمام هذا الجدل المشروع، تبرز الحاجة الملحة لوضع رؤية متوازنة تجمع بين حماية المواقع الأثرية كأمانة حضارية لا تقدر بثمن، واستثمارها بشكل مدروس لتدعيم موارد الصيانة والترميم. فالتاريخ شاهد على أن الأمم العظيمة تحافظ على ماضيها لتبني مستقبلها، ومصر، صاحبة أعرق حضارة عرفها الإنسان، قادرة على أن توازن بين الروح والربح إذا أحسنت إدارة كنوزها الخالدة.