
كتب الدكتور عبد الرحيم ريحان
ذكر الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار السابق فى محاضرة له بنقابة المهندسين أمؤخراً أن الهكسوس احتلوا جزءًا صغيرًا من مصر وهو “قنتير” بالشرقية
وفى ضوء هذا تكشف الدكتورة رنا التونسى رئيس لجنة البحوث والدراسات الأثرية بالحملة نائب رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية عن خطأ تاريخى فيما ذكره الأمين العام حيث أشارت إلى أن هذا يتنافى ويتصادم تمامًا مع النصوص المصرية القديمة الخاصة بتلك الفترة من التاريخ المصري وتحديدًا نهاية عصر الأسرة السابعة عشر، فالنصوص الأثرية الخاصة بتلك الفترة على الرغم من قلتها لكنها حاسمة وواضحة على توغل الهكسوس في عمق الأراضي المصرية حتى القوصية بأسيوط.
وتشير الدكتورة رنا التونسى إلى أن الهكسوس احتلوا مصر قرابة قرن من الزمان تحت احتلال بغيض، أطلق عليهم المصريون اسم (حقاو خاسوت) ثم حرفت إلى (الهكسوس)، وقد احتل الهكسوس مصر بالتزامن مع الأسرات الخامسة عشر والسادسة عشر وجزء من عصر الأسرة السابعة عشر
وأضافت بأن الهكسوس لم يدخلوا مصر في هيئة جيش محارب بل قبائل متفرقة “تحركات شعبوية كبيرة” تحت ضغط ظروف معينة قد تكون طبيعية أو بشرية غير معروفة لنا حتى الآن.
وبدأت إرهاصات التحرير من جنوب مصر وتحديدًا من إقليم طيبة حيث استطاع المصريون أن يمدوا نفوذهم حتى أبيدوس ويزيحوا الهكسوس ونفوذهم شمالًا حتى حدود القوصية مما يدل على أنهم امتدوا لأبعد من ذلك ولكن كفاح “سقنن رع” ازاحهم شمالًا.

وتوضح الدكتورة رنا التونسى أنه من غير المنطقى أن يحتل الهكسوس “قنتير” لقرابة ثلاثة عقود دون محاولة للتوسع ودون مقاومة من المصريين فمعنى ذلك أن الهكسوس كانوا ضعفاء جدًا والمصريين أموات.
كما أن هناك أدلة قوية جدًا على توغل الهكسوس حتى مصر الوسطى وهى نص كتبه تلميذ مصري قديم على لوح خشبي بالخط الهيراطيقى يعرف بلوح “كارنارفون” نسبة إلى اسم مكتشفه حيث يفيد هذا اللوح أن “كامس” هزم الهكسوس شمال الأشمونيين في مصر الوسطى (محافظة المنيا) مما يدل على سيطرة الهكسوس حتى هذه المناطق.
ووثيقة أخرى نقشت على لوحة عثر عليها عام ۱۹۲۸ تفيد أن “كامس” كان شديد النقمة بعد استشهاد والده على استمرار الاحتلال البغيض لأرض مصر الطاهرة، فطلب دعوة رجال بلاطه وقادة جيشه كي يشاورهم في الأمر وعرض عليهم نيته في محاربة الهكسوس الذين لم يكونوا يملكون الدلتا وحدها بل وصل نفوذهم إلى القوصية بأسيوط
ويؤكد على ذلك قول رجال البلاط للملك نصَا “تأمل لقد تقدم الآسيويين حتى وصلوا إلى القوصية، ولقد أخرجوا لنا ألسنتهم حتى آخرها” ثم أخذوا في مدح جلالته والتغني بشجاعته والإشادة بقوته فأثارته الدهشة من أقوالهم ولفت نظرهم إلى موقفه بين ملكين أحدهما آسيوي يحكم في الشمال والآخر كوشي يحكم في الجنوب
وشعر أن رجاله لا يميلون إلى الحرب وأنهم موافقون على الوضع الحالي قائلين “أنه مازال يتمتع بحقوقه في الأراضي الزراعية التي يستولى عليها الأجانب” ورفض “كامس” ذلك الموقف،وصمم على قتال الهكسوس مهما كلفه الأمر على الرغم من ضعف موقفه، وبالفعل تقدم “كامس” شمالاً حتى وصل إلى بلدة نفروسي (شمال القوصية في أسيوط) وانتصر على حاكمها الذي كان مواليًا ومتحالفًا مع الهكسوس.
يستخلص من هذه الوثيقة أن مصر في هذه الفترة كانت مقسمة إلى ثلاثة أجزاء حيث قال كاموس “وأنا أجلسفي الحكم يشاركني رجل من العامو و عبد وكل رجل منهما مسئول عن جزءه في مصر إني لا أكاد أن أبلغ منف”، الدلتا ومصر الوسطى في قبضة الهكسوس، مصر العليا تحت حكم المصريين “كامس”، وبلاد النوبة يحكمها الكوشيين.