آثار ومصرياتأخبار

الهرم الأكبر.. العجيبة الباقية في خطر: علماء مصريات يحذرون من التأثيرات السلبية للزحام والحرارة داخل الهرم

دعوات لتحديد أعداد الزوار يوميًا وتطبيق النموذج الفرنسي لحماية الأثر الأعظم

في يوم 22 أبريل، 2025 | بتوقيت 5:00 مساءً

كتب:  الدكتور عبد الرحيم ريحان

ضمن فعاليات حملة “الدفاع عن الحضارة المصرية”، تتواصل جهود العلماء والخبراء للكشف عن المخاطر التي تهدد واحدة من أعظم إنجازات الحضارة الإنسانية، هرم الجيزة الأكبر، العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع القديمة، والذي لا يزال يثير الدهشة والتساؤل حول أسرار بنائه وصموده عبر آلاف السنين.

خوفو والمهندسون العظماء

شُيّد الهرم الأكبر في عهد الملك خوفو، ثاني ملوك الأسرة الرابعة من الدولة القديمة، بين عامي 2560 و2540 قبل الميلاد، على يد المعماري العبقري “حم إيونو” صاحب المقبرة رقم 4000 بالجبانة الغربية، بمساعدة “عنخ خاف” الذي صمم لاحقًا هرم خفرع، وتمثال شهير له يُعرض حاليًا في متحف بوسطن بالولايات المتحدة.

ارتفاع الهرم الأصلي بلغ 146.5 متر، ولم يتبقَ منه اليوم سوى 138 مترًا، وقد بُني على مساحة تقارب 13 فدانًا، باستخدام نحو 2.3 مليون كتلة حجرية، يزن بعضها عدة أطنان.

الأسرار في قلب الجبل

يوضح الدكتور منصور بريك، عالم المصريات ومدير عام آثار الأقصر الأسبق، أن برديات “وادي الجرف” التي اكتشفها الأثري الفرنسي بيير تالييه عام 2013، كشفت معلومات مثيرة عن مراحل نقل الأحجار وبنائها، ما يؤكد مشاركة نحو 100 ألف عامل في المشروع الضخم، كما ذكر هيرودوت في زيارته لمصر بالقرن الخامس قبل الميلاد.

أحجار البناء تم جلبها من محاجر “أبو رواش” وهضبة الجيزة، أما كساء الهرم الخارجي فقد قُطع من محاجر “طرة”، بينما جاءت حجارة الجرانيت الضخمة من أسوان، لبناء حجرة الدفن والمتاريس التي كانت تغلق مدخلها.

الدكتور منصور بريك، عالم المصريات ومدير عام آثار الأقصر الأسبق

ممرات التهوية والروبوت “فاتح الطرق”

من معجزات التصميم الهندسي أن حجرة دفن الملك تقع داخل جسم الهرم، وليست في باطن الأرض كما في باقي الأهرامات. ولتخفيف الضغط على سقفها، بُنيت خمس غرف فوقها.

وفي تسعينيات القرن الماضي، لاحظ الأثريون ارتفاع نسبة الرطوبة والحرارة داخل الهرم، مما أثر على الأحجار. ومن هنا، انطلقت دراسة متكاملة بالتعاون مع المعهد الألماني للآثار، بقيادة د. رينر شتيدلمان، نتج عنها تركيب نظام تهوية متطور عبر “ممرات التهوية” في الحجرة الرئيسية.

استخدم المهندس الألماني جهاز روبوت دقيق أُطلق عليه اسم “وب واووت” أو “فاتح الطرق”، لاكتشاف نهايات الممرات، ووجد بابًا مغلقًا بمقبضين من النحاس في أحد الممرات، ما أثار جدلًا واسعًا، خاصة بعد أن أعلن المهندس الكشف في ألمانيا دون إذن المجلس الأعلى للآثار، مما أدى إلى منعه لاحقًا من العمل في مصر.

قرار خطير.. والزحام يهدد البقاء

بحسب د. منصور بريك، فقد طُبّق نظام صارم بعد الترميم، يحد من أعداد الزوار إلى 500 يوميًا، موزعين على فترتين، مع تذكرة خاصة وساعة راحة يومية للحفاظ على سلامة الهرم. إلا أن هذا النظام تراجع في السنوات الأخيرة، وتمت زيادة سعر التذكرة دون تقنين الأعداد، ما أدى إلى طوابير طويلة عند مدخله، وازدحام قد يهدد الأحجار الجيرية بسبب زيادة نسبة الأملاح والتعرية.

دعوة لإنقاذ العجيبة الأخيرة

يناشد الخبراء الدولة المصرية بإعادة النظر في سياسات زيارة الهرم الأكبر، واقتراح حلول واقعية مثل إنشاء نموذج طبق الأصل للزيارة الجماهيرية، كما فعلت فرنسا في كهف “لاسكو”، وإسبانيا في كهف “التاميرا”، مع اقتصار الزيارة الفعلية على الباحثين والمتخصصين.

إن هرم خوفو ليس فقط أثرًا سياحيًا، بل رمز خالد لحضارة مصر، ويجب أن تتكاتف الجهود بين وزارة السياحة والآثار وغرفة الشركات السياحية لوضع ضوابط تضمن استمراره شاهدًا على عبقرية الأجداد.