
في العاشر من يونيو 2018، وخلال مؤتمر صحفي للإعلان عن فتح باب التأهيل المسبق للشركات المصرية والدولية لإدارة وتشغيل خدمات المتحف المصري الكبير، كشفت وزارة السياحة والآثار عن الشعار الرسمي الجديد للمتحف، والذي صُمم ليستلهم تخطيط المتحف وبيئته المعمارية المحيطة.
إطلاق الشعار.. وبداية الجدل
الدكتور طارق توفيق، المشرف العام على مشروع المتحف السابق ، أوضح وقتها أن الشعار يمثل التخطيط الأفقي للمتحف، الذي تنفرج جوانبه ليتجه نحو أهرامات الجيزة.
وأشار إلى أن اللون البرتقالي المستخدم يعكس لون غروب الشمس على هضبة الأهرامات، بينما كُتب اسم المتحف بخط عربي انسيابي مستوحى من التلال الرملية، وجاء التصميم بسيطًا مواكبًا للاتجاهات العالمية في شعارات المتاحف الكبرى.

الشعار جاء ضمن أعمال شركة “أتيلييه بروكنر” الألمانية، الفائزة بمسابقة عالمية لتصميم العرض المتحفي، والتي شاركت فيها 12 شركة من 8 دول. وقد أُنجز الشعار بعد عدة أشهر من الدراسة، وتم اختياره من قبل لجنة علمية مصرية متخصصة.
الهوية محل تساؤل.. هل يمثّلنا الشعار حقًا؟
لكن رغم الجهود المبذولة، أثار الشعار ردود فعل واسعة، وواجه نقدًا حادًا من أكاديميين وخبراء آثار وفنانين مصريين.
حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان، عرضت الشعار على متخصصين في الترميم والآثار، وطرحت سؤالًا للجمهور: “هل الشعار مناسب للمتحف الكبير؟ وإن لم يكن كذلك، فما البدائل المقترحة؟”

وكان من أبرز المنتقدين، الباحث في اللغة المصرية القديمة الأستاذ سامح مقار، الذي أعلن رفضه الكامل للشعار في فكرته وألوانه، وصرّح بأن “المشاعر المصرية لا يمكن أن يشعر بها مصمم غير مصري”. وأوضح أن الشعار الحالي صممه المصمم اللبناني الهولندي طارق عتريسي، ما أثار حفيظة كثيرين شعروا أن التصميم لم ينبع من روح الحضارة المصرية.
————————-
تحقيق: حبيبة سرحان
————————-
أكاديميون: الشعار لا يعبر عن عراقة الحضارة
من جهتها، أكدت الدكتورة رنا التونسي، نائبة رئيس الحملة والمتخصصة في علم المصريات، أن الشعار لم يُحقق أهداف الهوية البصرية، موضحةً أن الشعار الناجح يجب أن:
-
يُعبر عن هوية المؤسسة ورؤيتها ورسالتها.
-
يكون بسيطًا وسهل التذكر.
-
يُعزز الثقة والمصداقية.
-
يُستخدم بفعالية في التسويق والترويج.

وأضافت التونسي: “الشعار الحالي لا يعكس حضارة مصر القديمة التي أبهرَت العالم، بل اكتفى بتجريد معماري للمتحف دون رموز بصرية واضحة تشير إليه، وإن حُذف اسم المتحف منه فلن يفهم أحد غايته”.
وطالبت بالاستعانة بأساتذة الفنون بالجامعات المصرية ممن يتمتعون بحس وطني وفني يمكن أن ينعكس على هوية المتحف البصرية بشكل أكثر عمقًا وصدقًا.
مقترحات بديلة.. عين حورس وزهرة اللوتس تتصدر المشهد
من أبرز المقترحات البديلة التي عُرضت، رؤية خبير الترميم فاروق شرف، والذي عمل لأكثر من ثلاثين عامًا بالمجلس الأعلى للآثار.

اقترح شرف تصميم شعار يُعبر عن الجوهر النحتي للمتحف، يضم:
-
مثلث هرمي يرمز للمتحف وأهرامات الجيزة.
-
عين حورس في منتصف الشعار، كرمز للحماية والمعرفة.
-
زهرة اللوتس المتفتحة، رمز البعث والتجدد.
-
أجنحة الصقر حورس بانسيابية حول التصميم.
-
استخدام ألوان مستوحاة من الفن المصري القديم مثل الأزرق النيلي، الرملي الذهبي، البنفسجي والأخضر.
وأشار شرف إلى أهمية أن يُجسّد الشعار فنيًا على واجهة المتحف بنمط النحت البارز (رليف)، ليكون امتدادًا عضويًا لفن الحضارة المصرية.

نقاط القوة في الشعار الحالي (بحسب المصممين والداعمين له):
-
مستلهم من التخطيط المعماري الفريد للمتحف.
-
اللون البرتقالي يرمز إلى غروب الشمس على الهضبة الأثرية.
-
الخط العربي الانسيابي مستلهم من رمال وتضاريس المنطقة.
-
البساطة تسمح باستخدامه في وسائط متعددة وملائمة للهوية البصرية العالمية.
-
جزء من مشروع أكبر لتصميم العرض المتحفي من شركة ألمانية مرموقة.
نقاط الانتقاد والتحفظات (من خبراء مصريين):
-
غياب الرموز الحضارية الواضحة (مثل عين حورس، اللوتس، ألوان الفن المصري… إلخ).
-
تصميم قد لا يُفهم بسهولة عند فصله عن الاسم المكتوب.
-
اللون البرتقالي غير معبّر عن ألوان الحضارة المصرية.
-
الخط العربي لا يُبرز الهوية الثقافية والتاريخية بالشكل الكافي.
-
الشعور بعدم الارتباط العاطفي بالشعار من جانب الجمهور المصري.
مقترحات بديلة مستوحاة من آراء الخبراء:
من منظور خبير الترميم فاروق شرف:
-
الشكل العام: مثلث هرمي.
-
العناصر: عين حورس، زهرة اللوتس، أجنحة الصقر.
-
الألوان: رملي ذهبي (للأرض)، أزرق نيلي (للنيل)، بنفسجي وأخضر (للحياة)، نحاسي داكن (للهيبة).
-
الأسلوب: بسيط ومعاصر ولكن يحمل رموزًا بصرية واضحة للموروث الفرعوني.
-
فكرة الرليف (نحت بارز) لتطبيق الشعار على واجهة المتحف بأسلوب أصيل يربط بين الماضي والحاضر.
من منظور أكاديمي ونقدي (د. هبة ناجى ، د. رنا التونسى ):
-
يجب أن يتضمن الشعار:
-
هوية حضارية واضحة حتى بدون نص.
-
ألوان مأخوذة من الباليتة المصرية القديمة مثل الذهبي، الفيروزي، الأحمر القرمزي، الأزرق النيلي.
-
أسلوب يُثير المشاعر والانتماء لدى المصريين ويعبّر عن الثراء الحضاري.
-
رؤية نقدية فنية: أين هو المتحف من الشعار؟
من جانبها، أكدت الدكتورة هبة ناجى، أستاذ النقد والتذوق الفني بكلية التربية الفنية – جامعة حلوان، أن الشعار لا يرتبط بأي دلالة حضارية أو ثقافية، مشيرة إلى أنه “يمكن أن يكون شعارًا لأي منشأة حديثة أو كمبوند سكني أو حتى مركز تجاري”. وانتقدت استخدام اللون البرتقالي الذي لا يعكس ألوان الفن المصري القديم، والذي كان يتميز بلوحات لونية مثل الأزرق، الذهبي، والأخضر.
هل آن الأوان لمراجعة الشعار؟
مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير، أحد أكبر مشروعات مصر الثقافية في العصر الحديث، يظل الشعار موضوعًا للنقاش والتأمل.
هل يُعقل أن تكون واجهة الهوية البصرية لمتحف بحجم المتحف المصري الكبير مجرد تجريد معماري لا يحمل من روح الحضارة المصرية إلا القليل؟
هل تتسع الهوية لتستوعب رؤية فنان عالمي، أم أن الأمر يتطلب حسًا مصريًا خالصًا يفهم النيل والهرم وعين حورس كما لم يفهمها أحد سوانا؟
أسئلة كثيرة، والإجابة قد تكون في شعار يُولد من رحم هذه الحضارة، لا من فوقها.