مقدمة: هل نحن على أعتاب ثورة تسويقية؟
على مدار العقود الماضية، كان التسويق يعتمد على البيانات والبحوث الاستهلاكية لتقديم حملات مستهدفة، ولكن هذه العمليات كانت محدودة بقدرة الإنسان على تحليل البيانات واتخاذ القرارات. اليوم، ومع ظهور الذكاء الاصطناعي (AI)، أصبح التسويق أكثر ذكاءً، وأكثر تخصيصًا، وأكثر قدرة على التفاعل مع العملاء في الوقت الفعلي.
لقد أصبح بإمكان الشركات الآن التنبؤ بسلوك المستهلكين، وأتمتة إنشاء المحتوى، وتصميم رسائل تسويقية فائقة التخصيص عبر جميع القنوات الرقمية. يُعرف هذا الاتجاه الجديد باسم التخصيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي على نطاق واسع (AI-Powered Personalization at Scale)، وهو ما يُحدث تحولًا جذريًا في استراتيجيات التسويق العالمية.
لماذا يُعتبر التخصيص الفائق بالذكاء الاصطناعي ثورة في التسويق؟
يشير تقرير صادر عن Gartner إلى أن بحلول عام 2025، ستتمكن الشركات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات التسويق من زيادة عائداتها بنسبة 25% مقارنة بالمنافسين الذين لا يستخدمونه.
لكن لماذا هذا التحول الكبير؟ ببساطة، لأن العملاء أصبحوا يتوقعون محتوى وتجارب مصممة خصيصًا لهم. وفقًا لاستطلاع أجرته Accenture، فإن 91% من المستهلكين يفضلون التعامل مع الشركات التي تقدم عروضًا وتوصيات مخصصة وفقًا لاحتياجاتهم واهتماماتهم.
إليك كيف يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في التسويق من خلال التخصيص على نطاق واسع
- التنبؤ بسلوك المستهلك من خلال تحليل البيانات الضخمة
في السابق، كان التسويق يعتمد على التحليل التقليدي للبيانات مثل استطلاعات الرأي والتقارير السنوية. اليوم، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل مليارات من نقاط البيانات في الوقت الفعلي، مما يتيح للمسوقين القدرة على التنبؤ بسلوك المستهلكين بدقة مذهلة.
مثال عملي:
- تستخدم أمازون خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل سجل مشتريات العملاء وأنماط البحث لتقديم توصيات شخصية. تشير التقديرات إلى أن 35% من مبيعات أمازون تأتي من التوصيات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي.
- في قطاع السياحة، يستخدم موقع Expedia تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم اقتراحات حجز الفنادق والرحلات بناءً على تفضيلات المستخدمين وسجل بحثهم، مما يزيد معدلات الحجز بنسبة 20%.
- أتمتة إنشاء المحتوى وتسويق المحادثات
مع تزايد الطلب على المحتوى الرقمي، أصبح من الصعب على الشركات إنتاج محتوى مخصص لكل مستخدم يدويًا. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي، الذي يمكنه إنشاء محتوى فريد ومخصص لكل عميل بناءً على تفضيلاته وسلوكه عبر الإنترنت.
مثلا تستخدم Netflix الذكاء الاصطناعي لإنشاء صور مصغرة وأوصاف مخصصة لكل مستخدم بناءً على الأفلام التي شاهدها، مما يزيد من احتمالية استمراره في المشاهدة. و أيضا تُستخدم روبوتات الدردشة (Chatbots) مثل ChatGPT وDrift وIntercom في تفاعل الشركات مع العملاء على مواقع الويب ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تستطيع فهم الأسئلة والإجابة عليها بذكاء كما لو كانت ممثل خدمة عملاء حقيقيًا.
الان تشير البيانات إلى أن الشركات التي تعتمد على روبوتات المحادثة في التسويق تحقق زيادة بنسبة 67% في معدلات التحويل، لأنها توفر إجابات سريعة وشخصية دون الحاجة إلى تدخل بشري.
- الإعلانات الذكية واستهداف العملاء بدقة متناهية
في السابق، كانت الحملات الإعلانية تعتمد على استهداف واسع النطاق بناءً على فئات ديموغرافية عامة. ولكن مع الذكاء الاصطناعي، يمكن الآن تحليل اهتمامات وسلوك كل مستخدم على حدة وعرض الإعلانات المناسبة له في اللحظة المثالية.
كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في الإعلانات؟
- تعتمد فيسبوك وجوجل على الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المستخدمين وتقديم إعلانات مخصصة بناءً على سلوكهم. تشير الدراسات إلى أن الإعلانات المستهدفة بواسطة الذكاء الاصطناعي تحقق معدل نقرات أعلى بنسبة 30-50% مقارنة بالإعلانات التقليدية.
- يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد القنوات الإعلانية الأكثر فاعلية لكل حملة إعلانية، مما يساعد في تقليل الإنفاق على الإعلانات غير الفعالة وزيادة العائد على الاستثمار (ROI). يتوقع أن يصل حجم سوق الإعلانات الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى 1.3 تريليون دولار بحلول 2030.
- تحسين تجربة العملاء عبر القنوات الرقمية
في عصر الاستهداف الدقيق، لم يعد كافيًا تقديم إعلانات مستهدفة فقط، بل يتطلب الأمر خلق تجربة متكاملة عبر جميع نقاط الاتصال مع العميل، سواء كان ذلك عبر البريد الإلكتروني، مواقع الويب، تطبيقات الهواتف، أو حتى المحادثات المباشرة.
كيف يحسن الذكاء الاصطناعي تجربة العملاء؟
خد مثلا المساعدات الافتراضية مثل Google Assistant وApple Siri تقدم اقتراحات ذكية بناءً على أسلوب حياة المستخدم واحتياجاته. أيضا المتاجر الذكية مثل تلك التي تديرها Alibaba وAmazon Go تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقديم تجربة تسوق سلسة، حيث يتم التعرف على العملاء تلقائيًا ويمكنهم الدفع بدون الحاجة إلى الوقوف في الطوابير.
تشير الدراسات إلى أن 86% من العملاء على استعداد لدفع المزيد مقابل تجربة شخصية ومخصصة بالكامل.
- مستقبل التسويق في ظل الذكاء الاصطناعي: إلى أين نتجه؟
من الواضح أن الذكاء الاصطناعي لن يكون مجرد أداة إضافية في التسويق، بل سيكون جوهر كل استراتيجية ناجحة.
توقعات المستقبل:
الذكاء الاصطناعي التنبؤي سيصبح أكثر دقة، مما يتيح للشركات توقع احتياجات العملاء قبل أن يفكروا فيها بأنفسهم.
التفاعل البشري الذكي سيزداد من خلال التطورات في الذكاء الاصطناعي العاطفي، مما يجعل روبوتات المحادثة أكثر قدرة على التعاطف مع العملاء.
التسويق عبر الميتافيرس (Metaverse) سيتطور ليقدم تجارب تفاعلية مذهلة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
تشير توقعات Forrester Research إلى أن 75% من الشركات ستتبنى تقنيات الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات التسويق بحلول عام 2025.
لذلك استطيع ان أقول ان الذكاء الاصطناعي ليس مستقبل التسويق، بل حاضره، اليوم لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من عالم التسويق، حيث يتيح للمسوقين القدرة على تخصيص المحتوى، وتحليل البيانات، وتحسين تجربة العملاء على نطاق غير مسبوق. الشركات التي ستتجاهل هذه الثورة التكنولوجية ستواجه صعوبة في البقاء في المنافسة، بينما تلك التي تتبنى الذكاء الاصطناعي ستتمكن من تحقيق نجاح استثنائي في عالم التسويق الرقمي المتغير بسرعة.
كاتب المقال
علاء خليفة
الخبير السياحي الدولي في مجال التسويق السياحي والفندقي.
محاضر في التحول الرقمي في قطاع السياحة والفنادق.
عضو المجلس السياحي المصري وعضو جمعية السياحة الثقافية.
ورئيس مجلس إدارة شركة خبراء الديجتال لادراه العمليات التسويقية الدولية بمصر والامارات.
رئيس مجلس اداره شركة EGY Trace العالميه
وعلى مدار أكثر من 35 عامًا، تدرج علاء خليفه في العديد من المناصب فى قطاع السياحة والتسويق وتنمية الأعمال في القطاع السياحي والفندقي ، وبفضل هذه الخبرة الطويلة والدراسة المتخصصة يضع خطط تسويقية وحلول استراتيجية لتسويق المقاصد العربيه والدولية و تحسين التجربة السياحية وتنفيذ حملات التسويق المشتركه والعلاقات العامة.
للتعرف وللمزيد من المقالات للكاتب أدخل على الرابط التالى
https://elmahrousanews.com/?s=%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1+%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%81%D8%A9+
